فصل: مسألة (446): إذا نكَّس الرَّمي، فرمى جمرة العقبة، ثُمَّ الوسطى، ثُمَّ الأولى، لم يجزه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ***


مسألة ‏(‏380‏)‏‏:‏ آكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر‏:‏ ليلة سبع وعشرين‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ ليلة إحدى وعشرين‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ العشر كلُّه سواء‏.‏

لنا أحاديث‏:‏ 1975- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يزيد بن هارون أنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال‏:‏ قال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من كان متحريًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين ‏"‏ أو قال‏:‏ ‏"‏تحروها ليلة سبع وعشرين‏"‏‏.‏

يعني ليلة القدر‏.‏

1976- قال أحمد‏:‏ وثنا سفيان قال‏:‏ سمعته من عَبْدة وعاصم عن زرٍّ قال‏:‏ سألت أُبَيَّ بن كعب قلت‏:‏ إنَّ أخاك ابن مسعود يقول‏:‏ من يقم الحول يصب ليلة القدر‏.‏

فقال‏:‏ يرحمه الله، لقد علم أنَّها في شهر رمضان، وأنَّها ليلة سبع وعشرين‏.‏

وحلف، قلت‏:‏ وكيف تعلمون ذلك‏؟‏ قال‏:‏ بالعلامة- أو‏:‏ بالآية- التي أُخبرنا بها، تطلع ذلك اليوم- يعني الشَّمس- لا شعاع لها‏.‏

انفرد بإخراج الحديثين مسلم‏.‏

1977- قال أحمد‏:‏ وثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال‏:‏ رأى رجلٌ ليلة القدر ‏[‏ليلة‏]‏ سبع وعشرين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أرى رؤياكم قد تواطأت، فالتمسوها في العشر البواقي، في الوتر منها‏"‏‏.‏

أخر جاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ 1978- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنا أبو جعفر الرزَّاز ثنا أحمد بن الوليد الفحَّام ثنا أسود بن عامر شاذان ثنا شعبة قال‏:‏ عبد الله بن دينار أخبرني قال‏:‏ سمعت ابن عمر يحدِّث عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر‏:‏ ‏"‏من كان متحرِّيًا فليتحرها ليلة سبع وعشرين‏"‏‏.‏

قال شعبة‏:‏ وذكر لي رجلٌ ثقة عن سفيان أنَّه كان يقول‏:‏ إنَّما قال‏:‏ ‏"‏من كان متحرِّيًا فليتحرَّها في السَّبع البواقي‏"‏‏.‏

فلا أدري ذا أم ذا‏؟‏ شكَّ شعبة‏.‏

الصَّحيح رواية الجماعة دون رواية شعبة‏.‏

1979- أخبرنا أبو بكر بن فورك أنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عقبة بن حريث سمع ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في ليلة القدر‏:‏ ‏"‏تحرّوها في العشر الأواخر، فان ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبنَّ عن السَّبع البواقي‏"‏‏.‏

أخرجه مسلم في ‏"‏ الصَّحيح ‏"‏ من حديث غندر عن شعبة O‏.‏

1980- وقال المصنِّف‏:‏ أخبرنا عليُّ بن عبيد الله بن نصر أنا أحمد بن محمَّد بن النقور أنا عمر بن إبراهيم الكتَّانيُّ ثنا البغويُّ ثنا أحمد بن حنبل ثنا معاذ ابن هشام ثنا أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً أتى نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال‏:‏ يا نبيَّ الله، إنِّي شيخٌ كبيرٌ، يشقُ عليَّ القيام، فمرني بليلة لعلَّ الله عزَّ وجل أن يوفِّقني فيها لليلة القدر‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏عليك بالسَّابعة‏"‏‏.‏

زْ‏:‏ 1981- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو سعيد يحيى بن أحمد بن عليٍّ الصَّائغ بالريِّ ثنا أبو الحسن عليُّ بن الحسن القاضي الخزاعيُّ ثنا عبد الله بن محمَّد ابن عبد العزيز ثنا أحمد بن محمَّد بن حنبل بن هلال بن أسد الشَّيبانيُّ و ‏[‏عبيد‏]‏ الله بن عمر قالا‏:‏ ثنا معاذ، ‏[‏‏(‏ح‏)‏‏]‏ وأخبرنا أبو سعد أحمد ابن محمَّد الهرويُّ أنا أبو أحمد عبد الله بن عَدِيٍّ الحافظ ثنا عبد الله بن محمَّد بن عبد العزيز ثنا أحمد بن حنبل، ‏[‏‏(‏ح‏)‏‏]‏ وحدَّثنا أبو سعد عبد الملك بن أبي عثمان الزَّاهد أنا أبو عمرو بن مطر أنا عبد الله بن محمَّد المنيعيُّ ثنا أحمد بن حنبل، ثنا معاذ بن هشام حدَّثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ يا رسول الله، إنِّي شيخ كبير عليل، يشقُّ عليَّ القيام، فمرني بليلةٍ لعلَّ الله أن يوفِّقني فيها لليلة القدر‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏عليك بالسَّابعة‏"‏‏.‏

1982- وقال أبو داود الطَّيالسيُّ‏:‏ حدَّثنا شعبة عن قتادة عن مطرِّف عن معاوية قال‏:‏ ليلة القدر ليلة سبع وعشرين‏.‏

كذا رواه أبو داود موقوفًا، ورفعه معاذ بن معاذ‏:‏ 1983- قال أبو داود السِّجستانيُّ‏:‏ ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن قتادة سمع مطرِّفًا عن معاوية بن أبي سفيان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر، قال‏:‏ ‏"‏ليلة سبع وعشرين‏"‏‏.‏

1984- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا الفقيه أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن عليٍّ الفاميُّ- ببغداد في مسجد الرَّصافة- ثنا أبو بكر أحمد بن سليمان ثنا إبراهيم بن اسحاق ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول‏:‏ قال ابن عبَّاس‏:‏ دعا عُمر أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألهم عن ليلة القدر، فاجتمعوا أنَّها في العشر الأواخر، فقلت لعُمر‏:‏ إنِّي لأعلم، وإنِّي لأظنُّ أيَّ ليلة هي‏!‏ قال‏:‏ وأيُّ ليلة هي‏؟‏ قلت‏:‏ سابعة تمضي أو سأبعة تبقى من العشر الأواخر‏.‏

قال‏:‏ ومن أين تعلم‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ خلق الله سبع سماوات، وسبع أرضين، وسبعة أيام، وإنَّ الدَّهر يدور في سبع، وخلق الإنسان‏:‏ فيأكل ويسجد على سبعة أعضاء، والطَّواف سبع، والجبال سبع‏.‏

فقال عمر رضي الله عنه‏:‏ لقد فطنت لأمرٍ ما فطنَّا له‏.‏

1985- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبَّار العُطَارِدِيُّ ثنا ابن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كنت عند عمر وعنده أصحابه، فسألهم، فقال‏:‏ أرأيتم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة القدر‏:‏ ‏"‏التمسوها في العشر الأواخر وترًا‏"‏‏.‏

أيُّ ليلة ترونها‏؟‏ فقال بعضهم‏:‏ ليلة إحدى‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليلة ثلاث‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليلة خمس‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ ليلة سبع‏.‏

فقالوا وأنا ساكت، فقال‏:‏ مالك لا تكلَّم‏؟‏ فقلت‏:‏ إنَّك أمرتني أن لا أتكلَّم حتَّى يتكلَّموا‏.‏

فقال‏:‏ ما أرسلتُ إليك إلا لتكلَّم‏.‏

فقلت‏:‏ إنِّي سمعت الله يذكر السَّبع، فذكر سبع سماوات ومن الأرض مثلهن، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع‏.‏

فقال عمر‏:‏ هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم، قولك‏:‏ نبت الأرض سبع‏.‏

قال‏:‏ قال الله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏(‏ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً‏.‏

فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً‏.‏

وَعِنَباً وَقَضْباً‏.‏

وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً‏.‏

وَحَدَائِقَ غُلْباً‏}‏ ‏[‏عبس‏:‏ 26- 30‏]‏‏.‏

قال‏:‏ فـ ‏(‏الحدائق غلبًا‏)‏‏:‏ الحيطان من النَّخل والشَّجر، و ‏(‏فاكهةً وأبًّا‏)‏ قال‏:‏ فالأبُّ‏:‏ ما أنبتت الأرض ممَّا تأكله الدَّواب والأنعام، ولا يأكله النَّاس‏.‏

قال‏:‏ فقال عمر لأصحابه‏:‏ أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام، الذي لم تجتمع شؤون رأسه‏؟‏‏!‏ والله لأنِّي أرى القول كما قلتَ O‏.‏

أمَّا حُجّة الشَّافعيِّ‏:‏ 1986- فما رواه البخاريُّ، قال‏:‏ حدَّثنا موسى ثنا همَّام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال‏:‏ اعتكف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العشر الأُول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال‏:‏ إنَّ الذي تطلب أمامك، ‏[‏فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال‏:‏ إن الذي تطلب أمامك‏]‏‏.‏

ثمَّ قام النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال‏:‏ ‏"‏من كان اعتكف مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليرجع، فإنَّي أريت ليلة القدر وإنِّي نسيتها، وإنَّها في العشر الأواخر في وترٍ، وإنِّي رأيت كأنِّي أسجد في طين وماء‏"‏‏.‏

وكان سقف المسجد جريد النَّخل، وما نرى في السَّماء شيئًا، فجاءت قزعة فمطرنا، وصلى بنا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتَّى رأيت أثر الطِّين والماء على جبهة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تصديق رؤياه‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏، وأحاديثنا أصرح‏.‏

مسألة ‏(‏381‏)‏‏:‏ يستحب أن يتبع رمضان بستٍّ من شوَّال‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ لا يستحبُّ‏.‏

1987- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو معاوية ثنا سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، فذلك صيام الدَّهر كلِّه‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

قالوا‏:‏ وقد قال أحمد‏:‏ سعد بن سعيد ضعيف الحديث‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

قلنا‏:‏ قد قال يحيى بن معين‏:‏ هو صالحٌ‏.‏

وقد أخرج عنه مسلمٌ‏.‏

ز‏:‏ قال النَّسائيُّ‏:‏ ذكر اختلاف النَّاقلين لخبر أبي أيُّوب فيه‏.‏

1988- أخبرنا أحمد بن يحيى ثنا إسحاق عن حسن- وهو ابن صالح- عن محمَّد بن عمرو الليثيِّ عن سعد بن سعيد عن عَمرو بن ثابت عن أبي أيُّوب قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من صام رمضان ثمَّ أتبعه بستٍّ من شوَّال، فقد صام الدَّهر كلَّه‏"‏‏.‏

قال أبو عبد الرَّحمن‏:‏ هذا خطأٌ، والصَّواب‏:‏ عُمر بن ثابت‏.‏

1989- أخبرنا خلاد بن أسلم ثنا الدَّراورديُّ عن صفَّوان بن سليم وسعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر‏"‏‏.‏

1990- أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم عن محمَّد ثنا شعبة قال‏:‏ سمعت ورقاء عن سعد بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من صام رمضان وستَّةً من شوَّال، فكأنَّما صام الدَّهر‏"‏‏.‏

قال أبو عبد الرَّحمن‏:‏ سعد ين سعيد ضعيفٌ كذلك، قال أحمد بن حنبل‏:‏ يحيى بن سعيد بن قيس الثِّقة المأمون، أحد الأئمة؛ وعبد ربِّه بن سعيد لا بأس به؛ وسعد بن سعيد- ثالثهم- ضعيفٌ‏.‏

1991- أخبرنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبو عبد الرَّحمن المقرىء ثنا شعبة بن الحجَّاج عن عبد ربِّه بن سعيد عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ أنَّه قال‏:‏ من صام شهر رمضان، ثمَّ أتبعه ستَّة أيَّام من شوَّال، فكأنَّما صام السَّنة كلَّها‏.‏

1992- أخبرنا هشام بن عمَّار عن صَدَقة بن خالد ثنا عتبة قال‏:‏ حدَّثني عبد الملك بن أبي بكر قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن سعيد عن عمر بن ثابت قال‏:‏ غزونا مع أبي أيُّوب، فصام رمضان وصمنا، فلمَّا أفطرنا قام في النَّاس، فقال‏:‏ إنِي سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏من صام رمضان، وصام ستَّة أيَّام من شوَّال، كان كصيام الدَّهر‏"‏‏.‏

قال أبو عبد الرَّحمن‏:‏ عتبة هذا ليس بالقويِّ‏.‏

1993- أخبرنا محمَّد بن عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الرَّحمن بن حويطب بن عبد العزى الحرَّانيُّ قال‏:‏ حدَّثني عثمان- وهو‏:‏ ابن عمرو الحرَّانيُّ- ثنا عمر- يعني‏:‏ ابن ثابت- عن محمَّد بن المنكدر عن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

نحوه‏.‏

كذا قال في هذه الرِّواية، والصَّواب‏:‏ ‏(‏عن عُمر بن ثابت عن أبي أيُّوب‏)‏ كما تقدَّم، وقد رواه إسماعيل بن عيَّاش عن محمَّد بن أبي حميد عن محمَّد ابن المنكدر عن أبي أيُّوب‏.‏

وقد رُوي هذا من حديث‏:‏ جابر وثوبان وأبي هريرة وغيرهم‏.‏

وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في ‏"‏ الاستذكار ‏"‏‏:‏ لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيُّوب، على أنَّه حديثٌ مدنيٌّ‏!‏ والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه‏.‏

ثمّ َقال‏:‏ وما أظنُّ مالكًا جهل الحديث- والله أعلم-، لأنَّه حديثٌ مدنيٌّ، تفرَّد به عمر بن ثابت، وقد قيل‏:‏ إنَّه روى ‏[‏عنه‏]‏ مالك، ولولا علمه به ما أنكره، وأظنُّ الشَّيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممَّن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه، إذا لم يثق به في حفظه لبعض ما يرويه؛ وقد يمكن أن يكون جهل الحديث، ولو علمه لقال به، والله أعلم O‏.‏

مسائل الاعتكاف

مسألة ‏(‏382‏)‏‏:‏ لا يصحُّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالكٌ والشَّافعيُّ‏:‏ يصحُّ في كلِّ مسجدٍ‏.‏

1994- قال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة قال‏:‏ قال حذيفة لابن مسعود‏:‏ قد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا في المساجد الثَّلاثة- أو قال‏:‏ مسجد جماعة-‏"‏‏.‏

وقد استدلَّ أصحابنا‏:‏ 1995- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ قال‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشر ثنا عمَّار ابن خالد ثنا إسحاق الأزرق عن جُويبر عن الضَّحَّاك عن حذيفة قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏كلُّ مسجدٍ له مؤذِّنٌ وإمام، فالاعتكاف فيه يصلح‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ هذا الحديث في نهاية الضَّعف، الضَّحَّاك لم يسمع من حذيفة‏.‏

وجوير‏:‏ ليس بشيءٍ، قال أحمد‏:‏ لا يشتغل بحديثه‏.‏

وقال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ متروكٌ‏.‏

ز‏:‏ 1996- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفَّار ثنا عُبيد بن شَريك ثنا يحيى- يعني‏:‏ ابن بكير- ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزُّبير عن عائشة- زوج النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتَّى توفاه الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ اعتكف أزواجه من بعده، والسُّنَّة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بدَّ منها، ولا يعود مريضًا، ولا يمسُّ امرأةً، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا ‏[‏في‏]‏ مسجد جماعة، والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم‏.‏

1997- أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه أنا أبو سعيد عبد الله ابن محمَّد بن عبد الوهَّاب الرَّازيُّ ثنا محمَّد بن أيُّوب أنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ثنا قتادة أنَّ ابن عبَّاس والحسن قالا‏:‏ لا اعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الصَّلاة‏.‏

1998- أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبد الله السديريُّ بخُسْرُوْجِرْد أنا أحمد بن محمَّد بن الحسن الخُسْرَوْجِرْديُّ ثنا داود بن الحسين ثنا حميد بن زنجويه ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شَريك عن ليث عن يحيى بن أبي كثير عن عليٍّ الأزديِّ عن ابن عبَّاس قال‏:‏ إن أبغض الأمور إلى الله البدع، وإنَّ من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدُّور‏.‏

1999- أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين العلويُّ أنا أبو نصر محمَّد ابن حمدويه بن سهل الغازيُّ ثنا محمود بن آدم المروزيُّ ثنا سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل قال‏:‏ قال حذيفة لعبد الله- يعني ابن مسعود-‏:‏ عكوفًا بين دارك ودار أبي موسى، وقد علمت أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا في السجد الحرام- أو قال‏:‏ في المساجد الثَّلاثة-‏"‏‏.‏

فقال عبد الله‏:‏ لعلك نسيت وحفظوا، وأخطأت وأصابوا- الشَّكُّ منِّي- O‏.‏

مسألة ‏(‏383‏)‏‏:‏ يصحُّ الاعتكاف بغير صومٍ وبالليل وحده‏.‏

وعنه‏:‏ لا يصحُّ، كقول أى حنيفة ومالكٍ‏.‏

2000- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى القطَّان عن عبيد الله بن عمر قال‏:‏ حدَّثني نافع عن ابن عمر عن عمر أنَّه قال‏:‏ يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام ليلةً‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2001- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب ثنا محمَّد بن فليح بن سليمان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلةً في المسجد الحرام، فلمَّا كان الإسلام، سأل عنه رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏‏.‏

فاعتكف عمر ليلةً‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ إسنادٌ ثابتٌ‏.‏

ز‏:‏ كذا في النسخة التي كتبت منها‏:‏ ‏(‏عبد الله بن عمر‏)‏، وكأنَّ الصَّواب‏:‏ ‏(‏عبيد الله‏)‏ وهكذا وجدتُّه في نسخة أخرى؛ فإنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ لا يقول‏:‏ ‏(‏إسنادٌ ثابت‏)‏ وفيه عبد الله؛ ومحمَّد بن فليح لا يعرف له رواية عن عبد الله؛ وهذا الحديث معروف بعبيد الله، والله أعلم‏.‏

ومحمَّد بن يعقوب بن عبد الوهَّاب ‏[‏هو‏:‏ الزُّبيريُّ‏]‏ المدنيُّ، روى عنه النَّسائيُّ، وهو ثقةٌ، وسمع منه ابن صاعد بالمدينة، سنة خمس وأربعين O‏.‏

قالوا‏:‏ فقد روي أنَّه نذر يومًا‏.‏

2003- قال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن ‏[‏عمرو‏]‏ بن جَبَلَة ثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنَّه جعل على نفسه يومًا يعتكفه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وجوابه من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّ كلَّ لفظ في مرتبة حديث، ويحتمل أن يكو نذر نذرين‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه لا حجَّة فيه، إذ لا ذكر ههنا للصَّوم‏.‏

ز‏:‏ 2004- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو محمَّد الحسن بن محمَّد بن حليم المروزيُّ ثنا أبو الموجِّه أنا عبدان أنا عبد الله بن المبارك أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر قال‏:‏ يا رسول الله، إنِّي نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏‏.‏

رواه البخاريُّ في ‏"‏ الصَّحيح ‏"‏ عن محمَّد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك، وكذا رواه سليمان بن بلال ويحيى بن سعيد القطَّان وأبو أسامة وعبد الوهَّاب الثقفيُّ عن عبيد الله، قالوا فيه‏:‏ ‏(‏ليلة‏)‏، وكذلك قاله حمَّاد بن زيد عن أيُّوب عن نافع عن ابن عمر‏.‏

وقال جرير بن حازم ومعمر عن أيُّوب‏:‏ ‏(‏يومًا‏)‏ بدل‏:‏ ليلة، وكذلك رواه شعبة عن عبيد الله‏.‏

ورواية الجماعة عن عبيد الله أولى، وحمَّاد بن زيد أعرف بأيُّوب من غيره‏.‏

2005- وروينا في حديث أبي معاوية عن يحيى بن سعيد عن عَمْرَة عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر ‏[‏الأوَّل‏]‏ من شوَّال‏.‏

انتهى ما ذكره‏.‏

ويمكن الجمع في حديث عمر بين اللفظين، بأن يكون المراد‏:‏ اليوم مع ليلته، أو الليلة مع يومها؛ وحينئذٍ لا يكون فيه دليلٌ على صحَّة الاعتكاف بغير صومٍ، وهذا القول هو القويُّ- إن شاء الله-، وهو أنَّ الصِّيام شرطٌ في الاعتكاف، فإنَّ الاعتكاف لم يشرع إلا مع الصِّيام، فإنَّ غالب اعتكاف النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إنَّما كان في رمضان، وقول عائشة‏:‏ ‏(‏أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكف في العشر الأوَّل من شوَّال‏)‏ ليس بصريح في دخول يوم الفطر، بجواز أن يكون أوَّل العشر الذي اعتكفه باقي يوم الفطر، بل هذا هو الظَّاهر، وقد جاء مصرَّحًا به في حديث‏:‏ ‏(‏فلمَّا أفطر اعتكف‏)‏، والله أعلم O‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ قالوا‏:‏ فقد روي فيه ذكر الصَّوم‏:‏ 2006- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثني أبو طالب الحافظ ثنا هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بَشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر نذر أن يعتكف في الشِّرك ويصوم، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فقال‏:‏ ‏"‏أوف بنذرك‏"‏‏.‏

والجواب من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّ هذا اللفظ تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، قال يحيى ابن معين وابن نُمير‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه إذا نذر الصَّوم لزم، فلم قلتم أنه يلزم في صحَّة الاعتكاف‏؟‏‏!‏ ز‏:‏ 2007- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أنا أبو محمَّد بن حيَّان الأصبهانيُّ ثنا إبراهيم بن محمَّد بن الحسن ثنا أبو عامر موسى ابن عامر ثنا الوليد بن مسلم أخبرني سعيد- يعني‏:‏ ابن بَشير- عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب نذر أن يعتكف في الشرك وليصومنَّ، فسأل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه، فأمره أن يفي بنذره‏.‏

قال‏:‏ ذكر نذر الصَّوم مع الاعتكاف غريبٌ، تفرَّد به سعيد بن بَشير عن عبيد الله، والله أعلم O‏.‏

قال المؤلِّف‏:‏ حديثٌ ثانٍ لنا‏:‏ 2008- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن إسحاق السُّوسيُّ ثنا عبد الله ابن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى بن أبي ‏[‏عمر‏]‏ ثنا عبد العزيز بن محمَّد ‏[‏عن‏]‏ أبي سهيل- عمِّ مالك بن أنس- عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ قد قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ رفعه السُّوسيُّ وغيره لا يرفعه‏.‏

قلنا‏:‏ السُّوسيُّ ثقةٌ، قال أبو بكر الخطيب‏:‏ دخل بغداد، وحدَّث أحاديث مستقيمة‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رَفْعُه وَهْمٌ، والصَّواب أنَّه موقوفٌ، وإن كان السُّوسيُّ قد تابعه غيره‏:‏ 2009- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أنا أبو الحسن أحمد بن محبُوب الرَّمليُّ بمكَّة ثنا عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ ثنا محمَّد بن يحيى ابن أبي عمر العدنيُّ ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن أبي سهيل- عمِّ مالك- عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ليس على المعتكف صيامٌ، إلا أن يجعله على نفسه‏"‏‏.‏

تفرَّد به عبد الله بن محمَّد بن نصر الرَّمليُّ هذا، وقد رواه أبو بكر الحميديُّ عن عبد العزيز بن محمَّد عن أبي سهيل بن مالك قال‏:‏ اجتمعت أنا وابن شهابٍ عند عمر بن عبد العزيز، وكان على امرأته اعتكاف ثلاثٍ في المسجد الحرام، فقال ابن شهابٍ‏:‏ لا يكون اعتكافٌ إلا بصوم‏.‏

فقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ أمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن أبي بكر‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن عمر‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ فمن عثمان‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال أبو سهيل‏:‏ فانصرفت فوجدت طاوسًا وعطاء، فسألتهما عن ذلك، فقال طاوس‏:‏ كلان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صيامًا إلا أن يجعله على نفسه‏.‏

وقال عطاء‏:‏ ذلك رأي‏.‏

هذا هو الصَّحيح موقوفٌ، ورفعه وهمٌ، وكذلك رواه عمرو بن زرارة عن عبد العزيز موقوفًا‏.‏

2010- وهو فيما أنبأني أبو عبد الله إجازةً أنَّ أبا الوليد أخبرهم ثنا عبد الله بن محمَّد بن شيرويه ثنا عمرو بن زُرَارة ثنا عبد العزيز‏.‏

فذكره موقوفًا مختصرًا، قال‏:‏ فقال‏:‏ كان ابن عبَّاس لا يرى على المعتكف صومًا‏.‏

وقال عطاء‏:‏ ذلك رأي O‏.‏

أما حجَّتُهم‏:‏ 2011- فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ أخبرنا أحمد بن ‏[‏عمير‏]‏ بن يوسف في الإجازة أنَّ محمَّد بن هاشم حدَّثهم‏:‏ ثنا سُويد بن عبد العزيز ثنا سفيان بن حسين عن الزُّهريِّ عن عروة عائشة أنَّ نبيَّ الله يكبهعرو قال‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا بصيام‏"‏‏.‏

2012- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا الحسن بن محمَّد بن الصَّبَّاح ثنا عمرو بن محمَّد العَنقَزِيُّ ثنا عبد الله بن بُدَيْل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر أنَّه سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكاف عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم‏.‏

2013- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا الحسن بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن مُجَشِّرٍ ثنا عَبيدة بن حُميد ثنا القاسم بن مَعْن عن عبد الملك بن جريج عن محمَّد بن شهاب عن سعيد بن المسيَّب وعروة عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، وأنَّ السُّنَّه للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، ولا يتبع جنازة، ولا يعود مريضًا، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، ويأمر من اعتكف أن يصوم‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا حديث عائشة الأوَّل‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به سُويد عن سفيان‏.‏

قال أحمد‏:‏ سُويد متروك الحديث‏.‏

وقال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وفي الإسناد‏:‏ سفيان بن حسين، قال يحيى‏:‏ لم يكن بالقويِّ‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ يروي عن الزُّهريِّ المقلوبات‏.‏

وأمَّا حديث عمر‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به ابن بُدَيْل، وهو ضعيفٌ، ورواه نافع عن ابن عمر ولم يذكر فيه الصَّوم، وهو أصحُّ‏.‏

قال‏:‏ وسمعت أبا بكر النَّيسابوريَّ يقول‏:‏ هذا حديثٌ منكرٌ، لأنَّ

قال‏:‏ وابن بُدَيْل ضعيف الحديث‏.‏

وأمَّا الحديث الثَّالث‏:‏ ففيه إبراهيم بن مجشِّر، قال ابن عَدِيٍّ‏:‏ له أحاديث مناكير‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ يقال‏:‏ إنَّ قوله‏:‏ ‏(‏إنَّ السُّنَّة للمعتكف

إلى آخره‏)‏ ليس من قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّه من كلام الزُّهريِّ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم، والله أعلم‏.‏

ز‏:‏ 2014- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا وهب بن بقيَّة أنا خالد عن عبد الرَّحمن- يعني‏:‏ ابن إسحاق- عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة أنَّها قالت‏:‏ السُّنَّة على المعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمسّ امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بُدَّ منه، ولا اعتكاف إلا بصومٍ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع‏.‏

قال أبو داود‏:‏ غير عبد الرَّحمن بن إسحاق لا يقول فيه‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ السُّنَّة‏)‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ وجعله قول عائشة‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ قد ذهب كثيرٌ من الحفَّاظ إلى أنَّ هذا الكلام من قول من دون عائشة، وأنَّ من أدرجه في الحديث وهم فيه‏:‏ فقد رواه سفيان الثَّوريُّ عن هشام بن عروة عن عروة قال‏:‏ المعتكف لا يشهد جنازةً، ولا يعود مريضًا، ولا يجيب دعوةً، ولا اعتكاف إلا بصيام، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة‏.‏

2015- وعن ابن جريج عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيب أنَّه قال‏:‏ المعتكف لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازةً‏.‏

2016- وقال أيضًا‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا يحيى بن أبي طالب أنا عبد الوهَّاب بن عطاء أنا سعيد- يعني‏:‏ ابن أبي عروبة- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّها قالت‏:‏ لا اعتكاف إلا بصوم‏.‏

كذا رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ورواه الزُّهريُّ عن عروة عن عائشة في حديث ذكره، وفي آخره‏:‏ والسُّنَّة فيمن اعتكف أن يصوم- قد مضى ذكره في هذا الجزء-‏.‏

كذا رواه غير واحد عن الزُّهريِّ‏.‏

وروي عن سفيان بن حسين عن الزُّهري عن عروة عن عائشة أنَّ نبيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا اعتكاف إلا بصيام‏"‏‏.‏

2017- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو عليٍّ الحسين بن عليٍّ الحافظ ثنا أحمد بن عمير الدِّمشقيُّ ثنا محمَّد بن هاشم ثنا سويد بن عبد العزيز ثنا سفيان ابن حسين‏.‏

فذكره‏.‏

وهذا وهمٌ من سفيان بن حسين أو من سُويد بن عبد العزيز، وسُويد بن عبد العزيز الدِّمشقيُّ ضعيف بمرَّة، لا يقبل منه ما تفرَّد به‏.‏

وروي عن عطاء عن عائشة موقوفًا‏:‏ من اعتكف فعليه الصِّيام‏:‏

2018- أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس- هو الأصم- ثنا أَسِيد بن عاصم ثنا الحسين بن حفص عن سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة‏.‏

فذكره‏.‏

2019- وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا أحمد بن إبراهيم ثنا أبو داود ثنا عبد الله ابن بُدَيل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلةً- أو يومًا- عند الكعبة، فسأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏اعتكف وصم‏"‏‏.‏

2020- وقال النَّسائيُّ‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عليٍّ ثنا الحسن بن حمَّاد الورَّاق أنا عمرو بن محمَّد العَنْقَزِيُّ عن عبد الله بن بُدَيل بن ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أنَّ عمر سأل النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن اعتكافٍ عليه، فأمره أن يعتكف ويصوم‏.‏

2021- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ وأحمد بن الحسن القاضي ومحمَّد بن موسى بن الفضل قالوا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن سنان القزَّاز ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفيُّ ثنا عبد الله بن بُديل حدَّثني عمرو بن دينار عن ابن عمر عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنَّه قال للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجِعرانة‏:‏ أي رسول الله، إنَّ عَلَيَّ يومًا اعتكفه، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏اذهب فاعتكفه وصمه‏"‏‏.‏

عبد الله بن بُديل بن ورقاء‏:‏ يقال‏:‏ ابن بشر الخزاعيُّ، ويقال‏:‏ الليثيُّ المكيُّ، روى عن‏:‏ عمرو بن دينار والزُّهريِّ، روى عنه‏:‏ ابن مهديٍّ وغير واحد، قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين‏:‏ صالحٌ‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ له أحاديث مما تنكر عليه الزيادة في متنه أو إسناده، ولم أر للمتقدِّمين فيه كلامًا فأذكره‏.‏

وروى هذا الحديث في ترجمته من رواية أبي داود وغيره عنه، ثُمَّ قال‏:‏ ولا أعلم ذكر في هذا الإسناد الصَّوم مع الاعتكاف إلا من رواية عبد الله ابن بُديل عن عمرو بن دينار‏.‏

وقد تقدَّم تضعيف أبي بكر النَّيسابوريِّ والدَّارَقُطْنِيِّ له، وقد ذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏ الثِّقات ‏"‏، فالله أعلم‏.‏

2022- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو الحسن محمَّد بن الحسين بن الفضل- ببغداد- أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي فاخته قال‏:‏ سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏ يصوم المجاور‏.‏

2023- وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ابن سفيان ثنا أبو بكر الحميديُّ ثنا سفيان ثنا عمرو سمعت أبا فاختة سعيد بن عِلاقة يقول‏:‏ سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏ يصوم المجاور‏.‏

والمجاور‏:‏ المعتكف‏.‏

فحكي لسفيان أنَّ هُشيمًا يقوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو عن أبي فاختة أنَّ ابن عبَّاس قال‏:‏ لا اعتكاف إلا بصوم‏)‏‏.‏

فقال سفيان‏:‏ أخطأ هُشيم، هو كما قلتُ لك‏.‏

2024- وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا سليمان بن حرب ثنا حمَّاد بن زيدٍ أنَّ رجلاً قال لعمرو بن دينار‏:‏ يا أبا محمَّد، كيف قول ابن عبَّاس‏:‏ على المجاور الصَّوم‏؟‏ فقال عمرو‏:‏ ليس كذا قال ابن عبَّاس، إنَّما قال‏:‏ المجاور يصوم‏.‏

2025- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسن بن حفص عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبَّاس وابن عمر أنَّهما قالا‏:‏ المعتكف يصوم O‏.‏

مسألة ‏(‏384‏)‏‏:‏ إذا اشترط في اعتكافه الخروج إلى القُرَب- كعيادة المرضى وصلاة الجنازة وزيارة العلماء- جاز‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ لا يجوز اشتراط هذه الأشياء‏.‏

احتجَّ أصحابنا بحديثين ضعيفين‏:‏ 2026- الحديث الأوَّل‏:‏ قال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا أحمد بن منصور ثنا يونس بن محمَّد ثنا الهيَّاج الخراسانيُّ ثنا عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن عن عبد الخالق عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ هذا الحديث ليس بشيءٍ، قال يحيى‏:‏ عَنْبَسة ليس بشيءٍ‏.‏

وقال أبو حاتم الرَّازيُّ‏:‏ كان يضع الحديث‏.‏

وقال النَّسائيُّ متروكٌ‏.‏

وفيه‏:‏ الهيَّاج، قال أحمد‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وفيه‏:‏ عبد الخالق، قال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بثقةٍ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن محمَّد بن إشكاب عن يونس‏.‏

وعبد الخالق هذا‏:‏ أحد المجاهيل، لا يعلم له وجود أم لا‏؟‏‏!‏ فإنَّه لم يرو عنه غير عَنْبَسة بن عبد الرَّحمن- أحد الضُّعفاء المتروكين-، وقول المصنِّف‏:‏ ‏(‏قال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بثقةٍ‏)‏ وهمٌ، فإنَّ قوله إنَّما هو في عبد الخالق ابن زيد بن واقد الدِّمشقيِّ، والله أعلم O‏.‏

2027- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عيسى ثنا عبد السَّلام بن حرب أنا ليث بن أبي سُليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكفٌ‏.‏

قال أحمد‏:‏ ليث مضطرب الحديث، ولكن قد حدَّث عنه النَّاس‏.‏

وقال أبو حاتم الرَّازيُّ وأبو زرعة‏:‏ لا يشتغل به، وهو مضطرب الحديث‏.‏

ز‏:‏ كذا ذكر المؤلِّف هذا الحديث، واختصره، وهو في ‏"‏ سنن أبي داود ‏"‏ هكذا‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن محمَّد النُّفيليُّ ومحمَّد بن عيسى قالا‏:‏ ثنا عبد السَّلام ابن حرب أنا الليث بن أبي سليم عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما‏.‏

قال النُّفيليُّ‏:‏ قالت‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمرُّ بالمريض وهو معتكف، فيمرُّ كما هو ولا يعرِّج يسأل عنه‏.‏

وقال ابن عيسى‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعود المريض وهو معتكف O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ بحديث عائشة المذكور في المسألة قبلها، وقد سبق‏.‏

كتاب الحج

‏[‏مسائل في أحكام الحج‏]‏

مسألة ‏(‏385‏)‏‏:‏ من شروط وجوب الحجِّ‏:‏ الزَّاد والرَّاحلة‏.‏

وقال مالك وداود‏:‏ لا يشترط ذلك‏.‏

2028- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثني أحمد بن عليِّ بن حُبيش ثنا عليُّ بن العبَّاس ثنا عليُّ بن سعيد بن مسروق ثنا ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏ قال‏:‏ قيل‏:‏ يا رسول الله، ما السَّبيل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الزَّاد والرَّاحلة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏ بهذا الإسناد؛ وعليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ، وعليُّ بن العبَّاس البجليُّ المقَانِعيُّ‏:‏ ثقتان، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثقةٌ أيضًا‏.‏

ومع ذلك فرواية هذا الحديث عن قتادة عن أنس مرفوعًا وهمٌ، والصَّواب‏:‏ عن قتادة عن الحسن عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً‏.‏

كذلك رواه جعفر بن عون عن سعيد، وكذلك رواه يونس بن عبيد عن الحسن، والله أعلم O‏.‏

2029- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أحمد بن نصر بن طالب ثنا إبراهيم ابن إسماعيل بن عبد الله بن زرارة ثنا عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمير عن أبي الزُّبير- أو‏:‏ عمرو بن دينار- عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ لمَّا نزلت‏:‏ ‏(‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏آل عمران- 97‏]‏ قام رجلٌ فقال‏:‏ يا رسول الله، ما السَّبيل‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الزَّاد والرَّاحلة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ عبد الملك بن زياد النَّصيبيُّ‏:‏ قال فيه الأزديُّ‏:‏ منكر الحديث، غيرثقة ومحمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عمير‏:‏ ضعَّفه يحيى بن معين، وقال مرَّةً‏:‏ ليس بثقةٍ‏.‏

ومرَّةً‏:‏ ليس حديثه بشيءٍ‏.‏

وقال البخاريُّ‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقد اختلف عليه في هذا الحديث‏:‏ فقيل‏:‏ عنه هكذا‏.‏

وقيل‏:‏ عنه عن محمَّد بن عبَّاد بن جعفر عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقيل‏:‏ عنه عن ابن جربج عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقد روى الدَّارَقُطْنِيُّ وغيره هذا الحديث من عدَّة طرق، وهو مشهور من رواية إبراهيم بن يزيد الخُوزيِّ- وهو ضعيفٌ- عن محمَّد بن عبَّاد عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O‏.‏

مسألة ‏(‏386‏)‏‏:‏ إذا كان للمعضوب مال، لزمه أن يستنيب من يحجُّ وقال مالك وداود‏:‏ لا يلزمه‏.‏

2030- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال‏:‏ قالت جارية من خثعم‏:‏ يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ قد أفند، وقد أدركته فريضة الله في الحجِّ، فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، فأدِّ عن أبيك‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد رواه أحمد أيضًا عن يحيى بن آدم عن سفيان‏.‏

وسئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ، فذكر الاختلاف فيه وقال‏:‏ القول قول الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم‏.‏

وقد رواه الشَّافعيُّ عن عمرو بن أبي سلمة عن الدَّراورديِّ عن عبد الرَّحمن بن الحارث المخزوميّ‏.‏

ورواه البيهقيُّ من رواية حاتم بن إسماعيل عن عبد الرَّحمن O‏.‏

2031- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن سليمان بن يسار عن ابن عبَّاس قال‏:‏ حدَّثني الفضل بن عبَّاس قال‏:‏ أتت امرأة من خَثْعم، فقالت‏:‏ يا رسول الله، إنَّ أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يستطيع أن يثبت على دابته‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فحجِّي عن أبيك‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2032- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا هُشيم أنا يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبَّاس- أو‏:‏ عن الفضل بن عبَّاس- أنَّ رجلاً سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ يا رسول الله، إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبت على راحلته، أفأحجُّ عنه‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏أرأيت لو كان عليه دين، فقضيته عنه، أكان يجزئه‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فاحجج عن أبيك‏"‏‏.‏

ز‏:‏ 2033- قال النَّسائيُّ‏:‏ أخبرنا مجاهد بن موسى- بغداديُّ- عن هشيم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عبَّاس أنَّ رجلاً سأل النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ أبي أدركه الحجُّ وهو شيخٌ كبير، لا يثبت على راحلته، وإن شددته خشيت أن يموت، أفأحجُّ عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أرأيت لو كان عليه دَيْنٌ فقضيته، أكان مجزئًا‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فحجَّ عن أبيك‏"‏‏.‏

2034- أخبرنا أحمد بن سليمان الرَّهاويُّ ثنا يزيد- وهو ابن هارون- أنا هشام- وهو ابن حسَّان، بصريٌّ- عن محمَّد- وهو ابن سيرين- عن يحيى ابن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس أنَّه كان رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه رجلٌ، فقال‏:‏ يا رسول الله، إنَّ أمي عجوزٌ كبيرةٌ، وإن حملتها لم تستمسك، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أرأيت لو كان على أمِّك دَيْنٌ، أكنت قاضيه‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فحجَّ عن أمِّك‏"‏‏.‏

قال النَّسائيُّ‏:‏ سليمان لم يسمع من الفضل‏.‏

وقد رواه عليُّ بن عاصم عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبَّاس، قال‏:‏ وقلنا ليحيى‏:‏ إنَّ محمَّدًا- يعني ابن سيربن- حدَّث عنك أنَّك حدَّثت عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عبَّاس‏.‏

فقال‏:‏ ما حفظته إلا عن عبيد الله بن عبَّاس‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ روى أيُّوب السَّختيانيُّ هذا الحديث عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبَّاس ولم يشك، وهو أقرب إلى الصَّواب، لأنَّ الفضل ابن العبَّاس توفي في زمن عمر بن الخطَّاب بالشَّام، في طاعون عمواس، سنة ثمان عشرة، ولم يدركه سليمان بن يسار، وعبيد الله بن العبَّاس قد بقي إلى دهر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وسليمان بن يسار يقول في هذا الحديث‏:‏ ‏(‏حدَّثني‏)‏ وهذا أولى بالصَّواب إن شاء الله‏.‏

وقال ابن أبي حاتم في ‏"‏ المراسيل ‏"‏‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ ابن سيرين لم يسمع من عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس، يروي عن يحيى بن أبي كثير عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عبد الله بن عبَّاس‏.‏

كذا قال، والله أعلم‏.‏

وقال البخاريُّ‏:‏ أصحُّ شيءٍ في هذا ما روى ابن عبَّاس عن الفضل O‏.‏

2035- قال أحمد‏:‏ وثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بريدة عن أبيه‏:‏ أنَّ امرأةً أتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت‏:‏ إنَّ أمِّي ماتت ولم تحجَّ، فيجزئها أن أحجَّ عنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث إنَّما فيه الحجُّ عن الميِّت لا عن المعضوب، والله أعلم O‏.‏

2036- قال التَّرمذيُّ‏:‏ ثنا يوسف بن عيسى ثنا وكيع عن شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزِبن العقيليِّ أنَّه أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة ولا الظَّعن‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏حجَّ عن أبيك واعتمر‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أبو داود الطَّيالسيُّ عن شعبة‏.‏

ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجة كلُّهم من رواية شعبة‏.‏

2037- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس عن أيُّوب بن أبي تميمة عن محمَّد بن سيرين عن عبد الله بن عبَّاس‏:‏ أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ إنَّ أمِّي امرأة كبيرة، لا نستطيع أن نركبها على البعير، لا تستمسك، وإن ربطتُها خفت أن تموت، أفأحجُّ عنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

قال الإمام أحمد بن حنبل وعليُّ بن المدينيِّ ويحيى بن معين وغيرهم‏:‏ لم يسمع ابن سيرين من ابن عبَّاس‏.‏

وقد روى البخاريُّ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ حديثًا من رواية أيُّوب عن ابن سيرين عن ابن عبَّاس، فالله أعلم‏.‏

وقال البيهقيُّ- بعد أن روى هذا الحديث-‏:‏ روايات ابن سيرين عن ابن عبَّاس تكون مرسلة، وقد روي عن عوف بن أبي جميلة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ورواية أيُّوب أصحُّ، والله أعلم‏.‏

2038- أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا عبيد بن شَريك ثنا صفوان ثنا الوليد- يعني‏:‏ ابن مسلم- ثنا شعيب بن زريق قال‏:‏ سمعت عطاء الخراسانيَّ عن أبي الغوث بن الحصن الخثعميِّ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحجِّ وهو شيخٌ كبيرٌ، لا يتمالك على الرَّاحلة، فما ترى أن أحجَّ عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، حجَّ عنه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله، وكذلك من مات من أهلنا ولم يوص بحجٍّ، فنحجُّ عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، وتؤجرون‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ويتصدق عنه ‏[‏‏]‏ ويصام عنه‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، والصَّدقة أفضل، وكذلك في النُّذور، والمشي إلى المسجد‏"‏‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ إسناده ضعيفٌ O‏.‏

مسألة ‏(‏387‏)‏‏:‏ يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحجِّ، ويقع عن المحجوج عنه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز ذلك، وإنَّما يستنيب ‏[‏‏]‏ من له مال، ليحصل له ثواب النفقة فحسب‏.‏

لنا‏:‏ حديث الخثعميَّة، وقد سبق‏.‏

مسألة ‏(‏388‏)‏‏:‏ لا يسقط الحجُّ والزَّكاة بالموت‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ يسقط، إلا أن يوصي بهما‏.‏

لنا‏:‏ خبر ابن عبَّاس، وأنَّه شبهه بالدَّين، وقد سبق‏.‏

وكذلك خبر بريدة، وقد سبق‏.‏

ز‏:‏ 2039- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو الحسن عليُّ بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصَّفَّار ثنا إسماعيل بن إسحاق أنا مسدَّد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ امرأة جاءت إل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت‏:‏ يعني أنَّ أمِّي نذرت أن تحجَّ فماتت قبل أن تحجَّ، أفأحجُّ عنها‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، فحجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمِّك دينٌ، أكنت قاضيته‏؟‏ ‏"‏ قالت‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فاقضوا الله، فإنَّ الله أحقُّ بالوفاء‏"‏‏.‏

رواه البخاريُّ في ‏"‏ الصَّّحيح ‏"‏ عن مسدَّد O‏.‏

مسألة ‏(‏389‏)‏‏:‏ لا يسقط الحجُّ بكون البحر بينه وبين مكَّة، إذا كان غالبه السَّلامة‏.‏

وقال الشَّافعيُّ- في أحد قوليه-‏:‏ يسقط‏.‏

2040- قال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرِّف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا يركب البحر إلا حاجٌ أو معتمرٌ أو غازٍ في سبيل الله، فإنَّ نحت البحر نارًا، ونحت النَّار بحرًا‏"‏‏.‏

وقال إسماعيل عن ليث عن مجاهد‏:‏ لا يركب البحر إلا حاجًا أو معتمرًا أو غازيًا في سبيل الله‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن سعيد بن منصور‏.‏

وقال الحافظ أبو القاسم‏:‏ رواه محمَّد بن الصَّبَّاح عن صالح بن عمر عن مطرِّف بن طريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله‏.‏

ورواه أبو حمزة السُّكريُّ عن مطرِّف عن بشير أبي عبد الله عن عبد الله ابن عمر‏.‏

ورواه أحمد بن إبراهيم الموصليُّ عن صالح بن عمر عن مطرِّف عن بشير ابن مسلم عن عبد الله بن عمرو‏.‏

ولم يذكر بينهما أحدًا‏.‏

2041- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق أنا الحسن بن سهل بن سختويه ثنا سعيد بن سليمان عن إسماعيل بن زكريا وصالح بن عمر عن مطرِّف بن طَريف عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا يركبنَّ رجلٌ بحرًا إلا غازيًا أو معتمرًا أو حاجًا، وإنَّ تحت البحر نرًا، وتحت النَّار بحرًا‏"‏‏.‏

أخبرنا أبو بكر الفارسيُّ أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهانيُّ ثنا أبو أحمد بن فارس قال‏:‏ قال محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ‏:‏ لم يصحَّ حديثه‏.‏

يعني حديث بشير بن مسلم هذا O‏.‏

مسألة ‏(‏390‏)‏‏:‏ من عليه فرض الحجِّ لا يصحُّ أن يحجَّ عن غيره‏.‏

وعنه‏:‏ يجوز، كقول أبي حنيفة ومالك‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 2042- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبَّاس بن محمَّد ثنا سورة بن الحكم ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه سمع رجلاً يلبِّي عن آخر، فقال له‏:‏ ‏"‏إن كنت حججت عن نفسك فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرَّج في شيءٍ من ‏"‏ السُّنن الأربعة‏"‏‏.‏

وسورة بن الحكم البغداديُّ- صاحب الرأي-‏:‏ روى عن سويد أبي حاتم وسليمان بن أرقم وغيرهما، روى عنه محمَّد بن هارون الفلاس المخرميُّ والحسن بن داود المؤدِّب وعبَّاس الدُّوريُّ وغيرهم، ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه‏.‏

والصَّحيح أنَّ هذا الحديث مرسلٌ‏.‏

2043- قال الشَّافعيُّ‏:‏ أخبرنا مسلم- يعني‏:‏ ابن خالد- عن ابن جريج عن عطاء قال‏:‏ سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول‏:‏ لبَّيك عن فلان‏.‏

فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إن كنت حججت فلبِّ عنه، وإلا فاحجج عن نفسك، ثمَّ احجج عنه‏"‏‏.‏

وكذلك رواه سفيان الثَّوريُّ عن ابن جريج مرسلاً، والله أعلم O‏.‏

2044- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا ابن صاعد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا هُشيم ثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة، فقال‏:‏ ‏"‏أحججت عن نفسك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فاحجج عن نفسك، ثم احجج عن شُبْرمة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث عائشة ليس مخرجًا في شيءٍ من ‏"‏ السُّنن ‏"‏ أيضًا، وقد اختلف على ابن أبي ليلى فيه‏:‏ فرواه عنه هُشيم هكذا‏.‏

ورواه شَريك وإبراهيم بن طهمان عنه عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يلبِّي عن رجل

الحديث‏.‏

ورواه ابن جريج عن عطاء عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً، وهو أصحُّ كما تقدَّم O‏.‏

مسألة ‏(‏391‏)‏‏:‏ فإذا أحرم الصَّرُورَة بحجَّة نفلٍ انعقدت عن فرضه‏.‏

وعن أحمد‏:‏ أنَّها تقع نفلاً، كقول أبي حنيفة‏.‏

استدَّل أصحابنا بالحديث المتقدِّم، وقالوا‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏"‏حجَ عن نفسك ‏"‏‏:‏ استدم هذا الحجَّ بعزم أنَّه لك‏.‏

قالوا‏:‏ وله ألفاظٌ صريحةٌ فيما قلنا‏.‏

2045- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن الحسن بن نافع الباهليُّ ثنا أبو بكر الكليبيُّ ثنا الحسن بن ذكوان ثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عبَّاس قال‏:‏ سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يقول‏:‏ لبَّيك عن شُبْرمة‏.‏

فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏هل حججت قطُّ‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏هذه عنك، وحجَّ عن شُبْرمة‏"‏‏.‏

2046- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وثنا الحسين، بن إسماعيل قال‏:‏ حدَّثني هارون بن إسحاق الهمدانيُّ ثنا عَبْدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمع رجلاً يقول‏:‏ لبَّيك عن شبرمة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏هل حججت قطُّ‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فاجعل هذه عنك، ثم لبِّ عن شُبْرمة‏"‏‏.‏

2047- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن المذكِّر ثنا حميد بن الرَّبيع ثنا محمَّد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عَزْرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال‏:‏ سمع النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلبِّي عن شُبْرمة، فقال‏:‏ ‏"‏أحججت‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏لبِّ عن لفسك، ثمَّ لبِّ عن شُبْرمة‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ في هذه الأحاديث مقال‏:‏ أمَّا الأوَّل‏:‏ ففيه الحسن بن ذكران، قال أحمد‏:‏ أحاديثه أباطيل وقال يحيى‏:‏ ضعيفٌ‏.‏

وفي الحديث الثَّاني‏:‏ عَزْرَة، قال يحيى‏:‏ لا شيء‏.‏

وفي الثَّالث‏:‏ حميد بن الرَّبيع، قال يحيى‏:‏ كذَّاب‏.‏

ز‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ لم يخرِّجه أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وكلام المؤلِّف في الحسن بن ذكوان دون الرَّاوي عنه فيه تقصير؛ فإنَّ الحسن روى له المخاريُّ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، وروى عنه يحيى القطَّان وابن المبارك، وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وذكره ابن حِبَّان في ‏"‏ الثِّقات ‏"‏، وتكلَّم فيه غير واحد، وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ يروي أحاديث لا يرويها غيره، على أنَّ يحيى القطَّان وابن المبارك قد رويا عنه، وناهيك به جلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنَّه لا بأس به‏.‏

وأمَّا الرَّاوي عنه‏:‏ فهو أبو بكر الكليبيُّ، واسمه عبَّاد بن صُهيب، وقد تركوه‏.‏

قاله البخاريُّ، وقال ابن أبي حاتم‏:‏ روى عنه من لم يفهم العلم‏.‏

وقال ابن المدينيِّ‏:‏ ذهب حديثه‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ ضعيف الحديث، منكر الحديث، ترك حديثه‏.‏

وقال النَّسائيُّ والدُّولابيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وقد روي عن ابن معين أنَّه قال‏:‏ عبَّاد بن صهيب أثبت من أبي عاصم النَّبيل‏!‏ وما أطنُّ ذلك يثبت عنه، والله أعلم‏.‏

وأمَّا الرَّاوي عن الكليبي فهو‏:‏ محمَّد بن الحسن بن نافع أبو عوانة الباهليُّ البصريُّ، قدم بغداد، روى عنه ابن مخلد والصَّفَّار أحاديث مستقيمة‏.‏

قاله الخطيب‏.‏

وأمَّا الحديث الثَّاني‏:‏ فرواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل وهنَّاد، ورواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير، ثلاثتهم عن عَبْدة بن سليمان به‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ أثبت النَّاس سماعًا من سعيد‏:‏ عَبْدة بن سليمان‏.‏

وقد تابعه أبو يوسف القاضي ومحمَّد بن بشر العبديُّ ومحمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ عن سعيد بن أبي عروبة‏.‏

ورواه الحسن بن صالح بن حيٍّ ومحمَّد بن جعفر ‏(‏غُنْدر‏)‏ عن سعيد موقوفًا‏.‏

ورواه عبد الوهَّاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس موقوفًا، ولم يذكر عَزْرَة في إسناده‏.‏

وكذلك رواه عمرو بن الحارث المصريُّ عن قتادة، وقال في روايته‏:‏ ‏(‏عن قتادة أنَّ سعيد بن جبير حدَّثه‏)‏ وذلك معدودٌ في أوهامه، فإنَّ قتادة لم يلق سعيد بن جبير، فيما قاله يحيى بن معين وغيره، والله أعلم‏.‏

وقال الأثرم‏:‏ قال أبو عبد الله في هذا الحديث‏:‏ رفعه خطأٌ‏.‏

وقال‏:‏ رواه عدَّةٌ موقوفًا على ابن عبَّاس‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ ومن رواه مرفوعًا حافظٌ ثقةٌ، فلا يضره خلاف من خالفه، وعَزْرَة هذا هو‏:‏ عَزْرَة بن يحيى، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال‏:‏ سمعت أبا عليٍّ الحافظ يقول ذلك‏.‏

وقد روى قتادة عن عَزْرَة بن تميم، وعن عَزْرَة بن عبد الرَّحمن 0 انتهى ما ذكره‏.‏

وعَزْرَة راوي هذا الحديث ليس هو عَزْرَة بن يحيى، ولا يعرف في الرُّواة عَزْرَة بن يحيى، وإنَّما هو عَزْرَة بن عبد الرَّحمن الخزاعيُّ، وقد روى له مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، ووثَّقه ابن المدينيِّ، وقال ابن معين‏:‏ عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ثقةٌ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ عَزْرَة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القوي‏.‏

وقول المؤلِّف‏:‏ ‏(‏وفي الحديث الثَّاني‏:‏ عزرة، قال يحيى‏:‏ لا شيء‏)‏ وهمٌ فاحش، فإنَّ قول يحيى هذا إنَّما هو في عزرة بن قيس اليحمديِّ البصريِّ، الذي روى عنه مسلم بن إبراهيم وأحمد بن إسحاق الحضرميُّ؛ وأمَّا راوي هذا الحديث فإنَّ يحيى وثَّقه كما ذُكر‏.‏

وأمَّا الحديث الثَّالث‏:‏ فلم يروه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏ من حديث محمَّد بن بشر عن سعيد‏.‏

وحميد بن الرَّبيع راويه عن محمَّد بن بشر‏:‏ قال ابن عَدِيٍّ‏:‏ كان يسرق الحديث، ويرفع أحاديث موقوفة‏.‏

وقال محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة‏:‏ قال أبي‏:‏ أنا أعلم النَّاس بحميد بن الرَّبيع، هو ثقةٌ، لكنه شره يدلِّس‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تكلَّموا فيه‏.‏

وقال البرقانيُّ‏:‏ رأيت الدَّارَقُطْنِيَّ يحسن القول فيه‏.‏

ويعقوب بن عبد الرَّحمن شيخ الدَّارَقُطْنِيِّ هو‏:‏ أبو يوسف الجصَّاص، في حديثه وهمٌ كثيرٌ، والله أعلم O‏.‏

احتجوا‏:‏ 2048- بما رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، قال‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا عبيد الله بن سعد الزُّهريُّ ثنا عمِّي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عبَّاس قال‏:‏ مرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برجلٍ وهو يقول‏:‏ لبَّيك عن نُبيشة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏يا هذا المهل عن نُبيشة، هي عن نُبيشة، واحجج عن نفسك‏"‏‏.‏

وفي لفظِ‏:‏ ‏"‏هذه عن نُبيشة، وحجَّ عن نفسك‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ هذان اللفظان تفرَّد بهما الحسن بن عمارة، وهو الذى كان يقول مكان ‏(‏شبرمة‏)‏‏:‏ ‏(‏نُبيشة‏)‏، ثمَّ رجع إلى الصَّواب في آخر عمره‏.‏

قال شعبة‏:‏ كان الحسن بن عمارة كذَّابًا، يحدِّث بأحاديث قد وضعها‏.‏

وقال يحيى‏:‏ كان يكذب، وقال زكريا السَّاجيُّ‏:‏ أجمعوا على ترك حديثه‏.‏

مسألة ‏(‏392‏)‏‏:‏ يصحُّ إحرام الصَّبي، وعليه الكفَّارة بالمحطورات‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يصحُّ‏.‏

2049- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كُريب عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرَّوحاء، فأخذت امرأة بعضد صبيٍّ فأخرجته من مِحَفَّتِها، فقالت‏:‏ يا رسول الله، هل لهذا حجٌّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏لعم، ولك أجرٌ‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

2050- وقال الترمذيِّ‏:‏ ثنا محمَّد بن طريف الكوفيُّ ثنا أبو معاوية عن محمَّد بن سُوقة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ رفعت امرأة صبيًّا لها إلى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت‏:‏ يا رسول الله، ألهذا حجٌّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، ولك أجرٌ‏"‏‏.‏

2051- قال التِّزمذيُّ‏:‏ وثنا محمَّد بن إسماعيل الواسطيُّ قال‏:‏ سمعت ابن نمير عن أشعث بن سَوَّار عن أبي الزُّبير عن جابر قال‏:‏ كنَّا إذا حججنا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نلبِّي عن النِّساء، ونرمي عن الصِّبيان‏.‏

وفي لفظ آخر‏:‏ أحرمنا عن الصِّبيان، وأحرمت النِّساء عن أنفسها‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ الحديثان غريبان‏.‏

ز‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ رواه أبو داود أيضًا عن أحمد بن حنبل، ورواه النَّسائيُّ عن غير واحد عن سفيان ورواه ابن مهدي عن الثَّوريِّ عن إبراهيم فأرسله، والله أعلم‏.‏

الحديث الثَّاني‏:‏ رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد ومحمَّد بن طريف كلاهما عن أبي معاوية به‏.‏

والحديث الثَّالث‏:‏ رواه ابن ماجة أيضًا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير‏.‏

وأشعث بن سَوَّار‏:‏ ضعَّفه النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرهما، وروي عن يحيى بن معين أنَّه وثَّقه، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏393‏)‏‏:‏ يجب الحجُّ على الفور‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ لا يجب على الفور‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ 2052- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا أحمد بن عبد الله بن محمَّد الوكيل ثنا الحسن بن عرفة ثنا مروان بن معاوية الفزاريُّ عن الحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال‏:‏ حدَّثني الحجَّاج بن عمرو الأنصاريُّ قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من كسر أو عرج فقد حلَّ، وعليه الحجُّ من قابل‏"‏‏.‏

قال عكرمة‏:‏ فسألت أبا هريرة وابن عبَّاس فقالا‏:‏ صدق‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل وأبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجة من رواية حجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ وروى معمر ومعاوية بن سلام عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجَّاج‏.‏

وسمعت محمَّدًا يقول‏:‏ رواية معمر ومعاوية أصحُّ‏.‏

وسئل عنه عليُّ بن المدينيِّ فقال‏:‏ رواه حجَّاج عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال‏:‏ سمعت الحجَّاج بن عمرو‏.‏

ورواه يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن عبد الله بن رافع‏.‏

والحجَّاج الصَّوَّاف عن يحيى بن أبي كثير أثبت O‏.‏

2053- الحديث الثَّاني‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدثنا محمَّد بن يحيى القُطَعيُّ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هلال بن عبد الله- مولى ربيعة بن عمرو- ثنا أبو إسحاق الهمدانيُّ عن الحارث عن عليٍّ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من ملك زادًا وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحجَّ، فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقالٌ، وهلالٌ مجهولٌ، والحارث يُضعَّف في الحديث‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ قلت‏:‏ الحارث قد كذَّبه الشَّعبيُّ وابن المدينيِّ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يروه من أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏ غير التِّرمذيِّ‏.‏

وهلال‏:‏ قال فيه البخاريُّ‏:‏ منكر الحديث‏.‏

وقال الحاكم أبو أحمد‏:‏ ليس بالقويِّ عندهم‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ هو معروفٌ بهذا الحديث، وليس الحديث بمحفوظٍ O‏.‏

2054- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أبو أحمد بن عَدِيٍّ‏:‏ أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير ثنا عبد الرَّحمن بن سعيد ثنا عبد الرَّحمن بن القُطامي ثنا أبو المُهَزِّم عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام في غير وجعٍ حابسٍ، أو حُجَّة ظاهرة، أو سلطانٍ جائرٍ، فليمت أيُّ الميتتين‏:‏ إمَّا يهوديًّا أو نصرانيًّا‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ أبو المُهَزِّم اسمه‏:‏ يزيد بن سفيان، قال يحيى بن معين‏:‏ ليس حديثه بشيءٍ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وأمَّا عبد الرَّحمن بن القُطامي‏:‏ فقال عمرو بن عليٍّ الفلاس‏:‏ كان كذَّابًا‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ يجب تنكب رواياته‏.‏

ز‏:‏ ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عبد الرَّحمن، وذكر له غيره، ثمَّ قال‏:‏ وعبد الرَّحمن بن القُطامي له غير ما ذكرت من الحديث، وليس بالكثير‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ عبد الرَّحمن بن القُطامي روى عن أبي المُهَزِّم عن أبي هريرة نسخة موضوعةً‏.‏

وكان السَّاجيُّ يقول‏:‏ عبد الرَّحمن القُطامي‏.‏

والصَّواب‏:‏ ابن القُطامي، والله أعلم O‏.‏

2055- الحديث الرَّابع‏:‏ قال المؤلِّف‏:‏ أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمَّد الأصبهانيُّ- قدم علينا- أنا عبد الرَّزَّاق بن عمر بن شمة أنا أبو بكر محمَّد ابن إبراهيم بن زاذان بن المقرئ ثنا أبو عروبة الحرَّانيُّ ثنا المغيرة بن عبد الرَّحمن ثنا يزيد بن هارون ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏"‏‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ المغيرة ليس بشيءٍ‏.‏

وليث‏:‏ قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد‏.‏

وقد رواه عمَّار بن نمر عن شَريك عن سالم عن أبي أمامة‏.‏

قال العقيليُّ‏:‏ عمَّار يحدِّث عن الثِّقات بالمناكير‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

ز‏:‏ حديث أبي أمامة هذا لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وكلام المؤلِّف عليه فيه نظرٌ من وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى بن معين‏:‏ المغيرة ليس بشيءٍ‏)‏ فإنَّ المغيرة الذي قال فيه يحيى هذا الكلام هو‏:‏ المغيرة بن عبد الرَّحمن الحزاميُّ، وهو متقدِّم على راوي هذا الحديث، يروي عن أبي الزِّناد وغيره، ويروي عنه قتيبة وغيره، وهو من رجال ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وأمَّا راوي هذا الحديث فهو‏:‏ الحرانيُّ، شيخٌ متأخرٌ، روى عنه النَّسائيُّ ووثَّقه، ولا نعرف أحدًا تكلَّم فيه‏.‏

وقد ذكر المؤلِّف الحزاميَّ في كتاب ‏"‏ الجرح والتَّعديل ‏"‏ وحكى كلام يحيى فيه، ثمَّ قال‏:‏ وجملة من في الحديث اسمه ‏(‏مغيرة بن عبد الرَّحمن‏)‏ ستَّةٌ، لا نعرف قدحًا في أحدٍ منهم غيره‏.‏

الوجه الثَّاني‏:‏ أنَّ هذا الحديث لم ينفرد به المغيرة عن يزيد، فقد رواه محمَّد بن أسلم الطوسيُّ الإمام عن يزيد، ورواه البغويُّ في تفسير سورة ‏"‏ آل عمران ‏"‏ من رواية سهل بن عمَّار عن يزيد، وسهل كذَّبه الحاكم‏.‏

وقد رواه عن شريك غير يزيد‏:‏ 2056- قال أبو يعلى الموصليُّ‏:‏ ثنا بشر بن الوليد الكنديُّ ثنا شَريك عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ أو حاجةٌ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏"‏‏.‏

2057- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق أنا شاذان ثنا شَريك عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من لم يحبسه مرضٌ، أو حاجةٌ ظاهرةٌ، أو سلطانٌ جائرٌ، ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا‏"‏‏.‏

وهذا وإن كان إسناده غير قويٍّ، فله شاهدٌ من قول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه‏:‏ 2058- أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ وأبو صادق بن أبي الفوارس الصَّيدلانيُّ قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا محمَّد بن إسحاق ثنا حجَّاج قال‏:‏ قال ابن جريج‏:‏ أخبرني عبد الله بن نعيم أنَّ الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن الأشعريَّ أخبره أنَّ عبد الرَّحمن بن غَنْم أخبره أنَّه سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه يقول‏:‏ ليمت يهوديًّا أو نصرانيًّا- يقولها ثلاث مرَّات- رجلٌ مات ولم يحجَّ، وجد لذلك سعة وخليَّت سبيله، فحجَّة أحجُّها وأنا صَرُورة أحبُّّ إليَّ من ستِّ غزواتٍ أو سبع- ابن نعيم يشكُّ-، ولغزوة أغزوها بعد ما أحجُّ أحبُّ إليَّ من سمتِّ حجَّاتٍ أو سبعٍ- ابن نعيم يشكُّ فيهما-‏.‏

انتهى ما رواه‏.‏

وقد روى الحديث عن ليث غير شَريك مرسلاً، وهو أشبه بالصَّواب‏:‏ 2059- قال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب ‏"‏ الإيمان ‏"‏‏:‏ ثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن ابن سابط قال‏:‏ قال رسول اللهءصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من مات ولم يحجَّ لم يمنعه من ذلك مرضٌ حابسٌ أو سلطانٌ ظالمٌ أو حاجةٌ ظاهرةٌ، قليمت على أي حال شاء‏:‏ إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏"‏‏.‏

2060- ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن عبد الرَّحمن بن سابط قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من مات ولم يحجَّ حجَّة الإسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجةٌ ظاهرةٌ، أو مرضٌ حابسٌ، أو سلطانٌ ظالمٌ، فليمت على أيِّ حال شاء‏:‏ إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏"‏‏.‏

هكذا رواه أحمد من رواية الثَّوريِّ، وابن عُليَّة عن ليث مرسلاً، وهو الصَّحيح‏.‏

الوجه الثَّالث‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وليث قد تركه يحيى بن معين وابن مهدي وأحمد‏)‏ ليس بصحيحٍ، وقد روى ابن مهدي عن سفيان وغيره عنه، وقد تقدَّم الكلام على ذلك بما فيه كفاية في كراهية إفراد يوم الجمعة بالصَّوم‏.‏

الوجه الرَّابع‏:‏ قوله‏:‏‏)‏ قد رواه عمَّار بن نصر عن شَريك ‏(‏وإنَّما هو عمَّار بن مطر الرَّهاويُّ، ولعلَّ الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي رأيته مصلَّحًا‏:‏ ‏(‏نصر‏)‏، والظَّاهر أنَّه كان مكتوبًا على الصَّواب‏.‏

2061- قال أبو يعلى الموصليُّ‏:‏ ثنا عبد الله بن عبد الصَّمد ثنا عمَّار بن مطر- من أهل الرَّها- عن شَريك عن منصور عن سالم بن أبي الجَعْد عن أبي أمامة قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يمنعه من الحجِّ مرضٌ حابسٌ، أو حاجةٌ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏"‏‏.‏

وقد ذكر ابن عَدِيٍّ هذا الحديث في ترجمة عمَّار بن مطر، وقال‏:‏ وهذا الحديث عن شَريك غير محفوظٍ، وعمَّار بن مطر الضَّعف على رواياته بيِّنٌ‏.‏

الوجه الخامس‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن شريك عن سالم عن أبي أمامة‏)‏ وإنَّما هو‏:‏ ‏(‏عن شريك عن منصور عن سالم‏)‏ كما ذكر، والله أعلم O‏.‏

2062- وقال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا هُشيم أنا منصور عن الحسن قال‏:‏ قال عمر بن الخطَّاب‏:‏ لقد هممت أن أبعث رجالاً إل هذه الأمصار فينظروا كلَّ من كان له جِدةٌ ولم يحجَّ فليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ماهم بمسلمين‏.‏

ز‏:‏ هذا الأثر مرسلٌ، لأنَّ الحسن لم يسمع من عمر رضي الله عنه، وقد رواه الإمام أحمد في ‏"‏ الإيمان ‏"‏ عن هُشيم وقال‏:‏ 2063- حدَّثنا محمَّد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عبد الرَّحمن بن عرزم عن أبيه عن عمر قال‏:‏ من كان ذا يسار فمات ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏.‏

2064- حدَّثنا هُشيم أنا منصور عن الحكم عن عَدِيِّ بن عَدِيٍّ عن الضَّحَّاك بن عرزم قال‏:‏ قال عمر‏:‏ من مات وهو موص ولم يحجَّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا‏.‏

قال‏:‏ إنَّما هو عرزب‏.‏

قال أبو معين‏:‏ أهل الشَّام يقولون‏:‏ عرزم، وأهل العراق يقولون‏:‏ عرزب‏.‏

هكذا رواه وليس فيه‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏، وفي رواية شعبة‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏‏.‏

وأبو معين هو راوي كتاب ‏"‏ الإيمان ‏"‏ عن أحمد، واسمه‏:‏ الحسين بن الحسن، والله أعلم O‏.‏

أمَّا حجَّتُهم‏:‏ 2065- فرووا عن أبي سعيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏من أحبَّ أن يرجع بعمرةٍ قبل الحجِّ فليفعل‏"‏‏.‏

وهذا لا يعرف، إنَّما روي‏:‏ ‏"‏من أحبَّ أن يبدأ بعمرة قبل الحجِّ فليفعل‏"‏‏.‏

وهذا هو التَّمتع‏.‏

واحتجُّوا بأنَّ فريضة الحجِّ نزلت في سنة خمس، بدليل‏:‏ 2066- ما أخبرنا به ابن الحصين- ثُمَّ ذكر إسناده المعروف إلى الإمام أحمد- قال‏:‏ ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمَّد بن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني محمَّد بن الوليد بن نفيع عن كريب عن عبد الله بن عبَّاس قال‏:‏ بعثَتْ بنو سعد بن بكرٍ‏:‏ ضمامَ بنَ ثعلبة، وافدًا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرائض الإسلام‏:‏ الزَّكاة والصِّيام والحجَّ‏.‏

وقد رواه شَريك عن كُريب فقال فيه‏:‏ بعثَتْ بنو سعدٍ ضمامًا في رجب سنة خمس‏.‏

قالوا‏:‏ وإذا ثبت أنَّ الحجَّ قد وجب في سنة خمس فقد أخَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى سنة عشر، فدلَّ على أنَّ الوجوب على التَّراخي‏.‏

وجواب هذا‏:‏ أنَّه قد روي أنَّ ضمامًا قدم في سنة تسع، فإن صحَّت الرِّواية الأخرى، فعن تأخير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوابان‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّ الله تعالى أعلم نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه لا يموت حتَّى يحجَّ، وكان على يقين من الإدراك‏.‏

قاله أبو زيد الحنفيُّ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه أخَّر لعذرٍ، وقد كانت له خمسة أعذار‏:‏ أحدها‏:‏ الفقر؛ والثَّاني‏:‏ الخوف على نفسه؛ والثَّالث‏:‏ الخوف على المدينة من المشركين واليهود؛ والرَّابع‏:‏ أن يكون رأى تقديم الجهاد؛ والخامس‏:‏ غلبة المشركين على مكَّة، وكونهم يحجُّون ويظهرون الشِّرك، ولا يمكنه الإنكار عليهم‏.‏

فإن قيل‏:‏ فعلى هذا فكيف أخَّره بعد الفتح‏؟‏ فجوابه من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّه لم يؤمر بمنع حجَّاج المشركين، فلو حجَّ لاختلط الكفَّار بالمسلمين، فكان ذلك كالعذر، فلمَّا أُمر بمنع المشركين من الحجِّ، بعث أبا بكر في سنة تسع فنادى‏:‏ أن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ثُمَّ حجَّ عند زوال ما يكره‏.‏

والثَّاني‏:‏ أن يكون أخَّر الحجَّ لئلا يقع في غير ذي الحجَّة، من جهة النسيء الذي كانت العرب تستعمله، حتَّى يدور التَّحريم على جميع الشُّهور، فوافقت حجَّة أبي بكر ذا القَعدة، ثُمَّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذى الحجَّة‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن عبَّاس‏:‏ رواه الإمام أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏ مطوَّلاً، فيه ذكر التَّوحيد والصَّلاة، لكنَّ المؤلِّف اختصره‏.‏

وفيه‏:‏ محمَّد بن الوليد بن نويفع- لا‏:‏ نفيع-، وهو القرشيُّ الأسديُّ، ذكره ابن حِبَّان في ‏"‏ الثِّقات ‏"‏، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ يعتير به‏.‏

وقد روى له أبو داود هذا الحديث الواحد مقرونًا بغيره، فرواه عن محمَّد ابن عمرو زُنَيْج الرَّازيِّ عن سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن سلمة بن كُهيل ومحمَّد بن الوليد بن نويفع كلاهما عن كُريب‏.‏

وأمَّا رواية شَريك عن كُريب فلم يخرِّجها أحدٌ من أصحاب ‏"‏ الكتب الستة‏"‏، ولم أر لها سندًا، وشَريك الذي يروي عن كُريب هو‏:‏ ابن أبي نمر، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏394‏)‏‏:‏ الأفضل أن يحرم من الميقات

وقال أبو حنيفة‏:‏ من دويرة أهله‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالحجِّ وبأربع عُمر من الميقات- على ما يأتي ذكره، وما هو مشهور في الحديث-، ولا يداوم إلا على الأفضل‏.‏

مسألة ‏(‏395‏)‏‏:‏ يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيَّب

وقال مالك‏:‏ يكره‏.‏

2067- قال أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت‏:‏ طيَّبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيديَّ هاتن لحرمه حين أحرم، ولحلِّه قبل أن يطوف‏.‏

2068- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا حمَّاد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ كأنِّي أنظر إلى وبيص الطِّيب في مفرق رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أيام وهو محرمٌ‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ الحديث الأوَّل‏:‏ أخرجاه من حديث مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم‏.‏

ورواه البخاريُّ من حديث سفيان، وقال فيه‏:‏ ثنا عبد الرَّحمن بن القاسم- وكان أفضل أهل زمانه- أنَّه سمع أباه- وكان أفضل أهل زمانه-

فذكره‏.‏

والحديث الثَّاني‏:‏ لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة ‏"‏ الكتب الستة ‏"‏ من حديث حمَّاد عن حمَّاد عن إبراهيم، وهو مخرَّجٌ في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من حديث غير حمَّاد عن إبراهيم، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏396‏)‏‏:‏ الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّ الإحرام‏:‏ عقيب الصَّلاة، وحن تستوي راحلتُه على البيداء سواء‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ الأفضل حين تستوي به راحلتُه على البيداء‏.‏

وعن الشافعيِّ كقولنا الأوَّل، وعنه‏:‏ إذا سارت به راحلتُه‏.‏

لنا‏:‏ 2069- ما روى الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني خُصيف عن سعيد بن جبير قال‏:‏ قلت لعبد الله بن عبَّاس‏:‏ عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إهلال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فقال‏:‏ إنِّي لأعلم بذلك، إنَّها إنَّما كانت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة واحدة، فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاجًا، فلمَّا صلَّى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه، وأهلَّ بالحجِّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه أقوام فحفظوه عنه؛ ثُمَّ ركب، فلما استقلَّت به ناقته أهلَّ، وأدرك منه أقوام، وذلك أنَّ النَّاس إنَّما كانوا يأتون أرسالاً، فسمعوه حين استقلَّت به ناقته يهلُّ، فقالوا‏:‏ إنَّما أهلَّ حين استقلَّت به ناقته؛ ثُمَّ مضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا علا على شرف البيداء أهلَّ-، وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا‏:‏ إنَّما أهلَّ حين علا شرف البيداء؛ وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلَّ حين استقلَّت به ناقته، وأهلَّ حين علا على شرف البيداء‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن محمَّد بن منصور الطُّوسيِّ عن يعقوب بن إبراهيم ابن سعد به‏.‏

وخُصيف هو‏:‏ ابن عبد الرَّحمن الجزريُّ، وقد ضعَّفه أحمد وغيره، ووثَّقه أبو زرعة وغره، وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ وإذا حدَّث عن خُصيف ثقةٌ فلا بأس به وبرواياته O‏.‏

احتجُّوا بحديثين‏:‏ 2070- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد ابن إسحاق الصَّاغانيُّ ثنا أحمد بن أبي الطَّيِّب قال‏:‏ قرئ على أبي بكر بن عيَّاش فأقرَّ به عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عبَّاس قال‏:‏ اغتسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لبس ثيابه، فلمَّا أتى ذا الحليفة صلَّى ركعتن، ثُمَّ قعد على بعيره، فلمَّا استوى به على البيداء أحرم بالحجِّ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

ويعقوب بن عطاء بن أبي رباح‏:‏ لا يحتجُّ به، وسيأتي كلام المؤلِّف عليه O‏.‏

2071- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عبيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أدخل رجله في الغرز، واستوت به ناقته قائمة، أهلَّ من مسجد ذي الحليفة‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كان في النُّسخة التي كتبت منها‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ وهو وهمٌ، والصَّواب‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏، ولا يعرف لمحمَّد بن عبيد عن عبد الله رواية أصلاً، وقد وجدته في نسخة أخرى على الصَّواب‏.‏

وليس هذا الحديث في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من رواية محمَّد بن عبيد، إنَّما رواه البخاريُّ من حديث أبي أسامة، ومسلمٌ من حديث عليِّ بن مُسهر، كلاهما عن عبيد الله، والله أعلم O‏.‏

والجواب من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّ الحديث الأوَّل لا يصحُّ، قال أحمد ويحيى‏:‏ يعقوب بن عطاء ضعيفٌ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه ذكر بعض ما جرى، وقد استوفاه في حديثنا، وذكر زيادة، وهذا جواب حديث ابن عمر‏.‏

مسألة ‏(‏397‏)‏‏:‏ لا تستحب الزِّيادة على تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تستحب‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ جماعةً رووا صفة تلبيته، وقد قال‏:‏ ‏"‏خذوا عنِّي مناسككم‏"‏‏.‏

2072- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هُشيم ثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر قال‏:‏ كانت تلبية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شربك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريك لك‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2073- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يحيى عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنَّ سعدًا سمع رجلاً يقول‏:‏ لبَّيك ذا المعارج‏.‏

فقال‏:‏ إنَّه لذو المعارج، ولكنَّا كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نقول ذلك‏.‏

ز‏:‏ قال أبو زرعة‏:‏ عبد الله بن أبي سلمة عن سعد‏:‏ مرسلٌ‏.‏

ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏ هذا الحديث‏.‏

وقد سئل الدَّارَقُطْنِيُّ فقال‏:‏ يرويه محمَّد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة، واختلف عنه‏:‏ فرواه القاسم بن معن ويحيى القطَّان وأبو خالد الأحمر والثَّوريُّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن سعد‏.‏

وخالفهم الدَّراورديُّ، فرواه عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة عن عامر بن سعد عن سعد‏.‏

ولم يتابع الدَّراوردي على عامر‏.‏

وروي عن الثَّوريِّ عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة سمع سعدٌ رجلاً يقول‏:‏ أعوذ بك من زقومها وسلاسلها‏.‏

فقال‏:‏ ما كنَّا ندعوا هكذا على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حدَّث به معاوية بن هشام عن الثَّوريِّ، وأحسبه وهم فيه، والصَّحيح بهذا الإسناد‏:‏ لبيك ذا المعارج، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏398‏)‏‏:‏ يقطع الحاج التَّلبية عند رمي جمرة العقبة‏.‏

وقال مالكٌ- في إحدى روايتيه-‏:‏ يقطعها بعد الزَّوال من يوم عرفة‏.‏

2074- قال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ حدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا جرير عن أيُّوب عن الحكم بن عتيبة عن ابن عبَّاس عن أخيه الفضل قال‏:‏ كنت رديف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جمع إلى منى، فلم يزل يلبِّي حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كذا في النُّسخة التي كتبت منها، وهو منقطع، فإنَّ الحكم لم يسمع من ابن عبَّاس، وكأنَّه سقط منه ‏(‏سعيد بن جبير‏)‏ أو ‏(‏مجاهد‏)‏ أو غيرهما من أصحاب ابن عبَّاس، ولم يخرِّج أحدٌ من أصحاب ‏"‏ الكتب الستة ‏"‏ هذا الحديث من رواية الحكم، وهو مخرَّج في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من رواية غير واحد عن ابن عبَّاس O‏.‏

مسألة ‏(‏399‏)‏‏:‏ ويقطع المعتمر التَّلبية إذا شرع في الطَّواف‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ إذا أحرم من الميقات قطع إذا دخل الحرم، وإن أحرم من أدنى الحل قطع إذا رأى البيت‏.‏

2075- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا مسدَّد ثنا هُشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏يلبِّي المعتمر حتَّى يستلم الحَجَر‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمَّام عن عطاء عن ابن عبَّاس موقوفًا‏.‏

2076- وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا هنَّاد ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس- رفع الحديث- أنَّه كان يمسك عن التَّلبية في العمرة إذا استلم الحَجَر‏.‏

قال التِّزمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

مسألة ‏(‏400‏)‏‏:‏ العمرة واجبةٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالكٌ‏:‏ لا تجب‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين‏.‏

لنا خمسة أحاديث‏:‏

2077- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنيُ‏:‏ حدَّثنا أبو عليٍّ إسماعيل ابن محمَّد الصَّفَّار ثنا محمَّد بن عبيد الله المنادي ثنا يونس بن محمَّد ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يَعْمَرَ عن ابن عمر قال‏:‏ سمعت عمر بن الخطَّاب قال‏:‏ بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء رجلٌ ليس عليه سحناء سَفَرٍ وليس من أهل البلد‏!‏ يتخطَّى حتَّى جلس بين يديّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وضع يديه على ركبتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ يا محمَّد، ما الإسلام‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدا رسول الله، وأن تقيم الصَّلاة، وتؤتي الزَّكاة، وتحجَّ البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتمَّ الوضوء، وتصوم رمضان‏"‏‏.‏

وذكر باقي الحديث وأنَّه قال‏:‏ ‏"‏هذا جبريل‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ هذا الحديث مذكورٌ في الصِّحاح وليس فيه‏:‏ ‏"‏وتعتمر‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ قد ذكر فيه هذه الزِّيادة أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏، ورواها الدَّارَقُطْنِيُّ وحكم لها بالصَّحة، وقال‏:‏ هذا إسنادٌ صحيحٌ، أخرجه مسلمٌ بهذا الإسناد‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه مسلمٌ في ‏"‏ الصَّحيح ‏"‏ عن حجَّاج بن الشَّاعر عن يونس بن محمَّد إلا أنَّه لم يسق متنه، وهذه الزِّيادة فيها شذوذٌ، والله أعلم O‏.‏

الحديث الثَّاني‏:‏ حديث أبي رَزين‏:‏ ‏"‏حجَّ عن أبيك واعتمر‏"‏‏.‏

وقد سبق في مسألة المعضوب‏.‏

ز‏:‏ 2078- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا‏:‏ ثنا شعبة عن النُّعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رَزين- قال حفص في حديثه‏:‏ رجلٌ من بني عامر- أنَّه قال‏:‏ يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجَّ والعمرة، ولا الظَّعن‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏احجج عن أبيك واعتمر ‏"‏ قال أحمد بن سلمة‏:‏ سألت مسلم بن الحجَّاج عن هذا الحديث- يعني حديث أبي رَزين هذا- فقال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول‏:‏ لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصحّ منه، ولم يجوِّده أحدٌ كما جوَّده شعبة‏.‏

انتهى قوله‏.‏

وهذا الحديث لا يدلُّ على وجوب العمرة، وليس هذا الأمر على الوجوب، فإنَّه لا يجب أن يحجَّ عن أبيه، وإنَّما يدلُّ الحديث على جواز فعل الحجِّ والعمرة عنه، لكونه غير مستطيع، والله أعلم O‏.‏

2079- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّحمن بن سعيد بن هارون ثنا محمَّد بن الحجَّاج الضَّبيُّ ثنا ابن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، على النِّساء جهاد‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏عليهن جهاد لا قتال فيه، الحجُّ والعمرة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه الإمام أحمد عن ابن فضيل، ورواه ابن ماجة عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن ابن فضيل‏.‏

ورواه أحمد والبخاريُّ من رواية غير واحد عن حبيب، وليس فيه ذكر العمرة‏.‏

ورواه أبو هشام الرفاعيُّ عن أبي بكر بن عيَّاش عن حبيب بن أبي عمرة عن عَدِيِّ بن ثابتٍ عن عائشة بنت طلحة، ولم يتابع على ذلك‏.‏

ورواه أحمد والبخاريُّ من رواية سفيان عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمَّته عائشة، وليس فيه ذكر العمرة‏.‏

2080- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الصَّفَّار ثنا إبراهيم بن فهد البصريُّ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حميد بن مهران الكنديُّ ثنا محمَّد بن سيرين عن ابن حطَّان عن عائشة أنَّها قالت‏:‏ يا رسول الله، هل على النِّساء جهادٌ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، جهادٌ لا قتال فيه‏:‏ الحجُّ والعمرة جهادهن‏"‏‏.‏

وكذلك رواه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ عن حميد بن مهران بمعناه‏.‏

وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل في ‏"‏ مسنده ‏"‏ أيضًا عن سلييان بن داود عن حميد بن مهران‏.‏

وحميد‏:‏ وثَّقه يحيى بن معين وغيره‏.‏

2081- وقال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا أبو الحسين محمَّد بن الحسين‏.‏

بن الفضل القطَّان ببغداد أنا أبو عمرو بن السَّمَّاك ثنا أبو الأحوص محمَّد بن الهيثم بن حمَّاد ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدَّثني الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمَّد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏جهاد الكبير والضَّعيف والمرأة‏:‏ الحجُّ والعمرة‏"‏‏.‏

رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه به O‏.‏

2082- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا عليُّ بن الحسن بن رستم ثنا محمَّد بن يحيى العطَّار ثنا محمَّد بن كثير الكوفيُّ ثنا إسماعيل بن مسلم عن محمَّد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إنَّ الحجَّ والعمرة فريضتان، لا يضرك بأيهما بدأت‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ في هذا الإسناد إسماعيل بن مسلم، قال أحمد‏:‏ هو منكر الحديث‏.‏

وقال يحيى‏:‏ لم يزل مخلِّطًا، وليس بشيءٍ‏.‏

وقال ابن المدينيِّ‏:‏ لا يكتب حديثه‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وفي الإسناد‏:‏ محمَّد بن كثير، قال أحمد‏:‏ خرقنا حديثه‏.‏

وقال ابن المدينيِّ‏:‏ خططت على حديثه‏.‏

ز‏:‏ يحيى الذي قال في إسماعيل‏:‏ ‏(‏لم يزل مختلطًا‏)‏ هو‏:‏ يحيى القطَّان، والذي قال فيه‏:‏ ‏(‏ليس بشيءٍ‏)‏ هو‏:‏ ابن معين‏.‏

والصَّحيح أنَّ هذا الحديث موقوفٌ على زيد‏.‏

2083- قال البيهقيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو الوليد ثنا محمَّد بن نعيم ثنا يحيى بن أيوب المقابريُّ ثنا عبَّاد بن عبَّاد المهلبيُّ ثنا هشام بن حسَّان عن محمَّد بن سيرين أنَّ زيد بن ثابت سُئل‏:‏ العمرة قبل الحج‏؟‏ قال‏:‏ صلاتان لا يضرك بأيّهما بدأت‏.‏

وقد رواه إسماعيل بن سالم عن ابن سيرين مرفوعًا، والصَّحيح مو قوف‏.‏

ورواية ابن سيرين عن زيد كأنَّها مرسلة، وقد قال البخاريُّ أنَّه سمع منه، وقال يحيى بن معين‏:‏ دخل على زيد بن ثابت وهو صغير‏.‏

فالله أعلم‏.‏

2084- قال البيهقيُّ‏:‏ وروى عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏الحجُّ والعمرة فريضتان واجبتان‏"‏‏.‏

حدَّثناه أبو سعد الزَّاهد أنا أبو الحسن محمَّد بن الحسن بن إسماعيل الضَّرير أنا جعفر بن محمَّد الفريابيُّ ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة فذكره، وابن لهيعة غير محتجٍّ به O‏.‏

2085- الحديث الخامس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا أبو بكر النيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال‏:‏ حدَّثني الزُّهريُّ عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتب إلى أهل اليمن كتابًا، وبعث به مع عمرو بن حزم، فيه‏:‏ ‏"‏وأنَّ العمرة الحجُّ الأصغر‏"‏‏.‏

فإن قالوا‏:‏ قد قال يحيى بن معين‏:‏ سليمان بن داود ليس بشيءٍ‏.‏

قلنا‏:‏ قد قال أبو حاتم بن حِبَّان‏:‏ هو صدوق‏.‏

ز‏:‏ قد قال غير واحد من الأئمة أنَّ سليمان راوي هذا الحدبث إنَّما هو سليمان بن أرقم، وهو متروك الحديث، وقد تقدَّم الكلام على هذا الحديث في المجلد الأوَّل بما فيه كفاية، والله أعلم O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2086- بما رواه الإمام أحمد بن حنبل قال‏:‏ ثنا أبو معاوية ثنا الحجَّاج ابن أرطاة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابيٌّ، فقال‏:‏ يا رسول الله، أخبرني عن العمرة، أواجبةٌ هي‏؟‏ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا، وأن تعتمر خيرٌ لك‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّه حديثٌ ضعيفٌ، كان زائدة يأمر بترك حديث الحجَّاج، وقال أحمد‏:‏ كان يزيد في الأحاديث، ويروي عن من لم يلقه، لا يحتجُّ به‏.‏

وقال يحيى‏:‏ لا يحتجُّ بحديثه‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ تركه ابن المبارك وابن مهدي ويحيى القطَّان ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل‏.‏

وقد رووا من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏العمرة تطوَّع‏"‏‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ والصَّحيح أنَّه موقوفٌ على أبي هريرة‏.‏

ز‏:‏ حديث جابر‏:‏ رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن عبد الأعلى الصَّنعانيِّ عن عمر بن عليٍّ المقدميِّ عن الحجَّاج، وقال‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

كذا قال، وقد أنكر عليه تصحيح هذا الحديث، وقد ضعَّفه الإمام أحمد في رواية ابن هانئ عنه‏.‏

وقد روي هذا الحديث مرفوعًا من وجه آخر عن أبي الزُّبير عن جابر‏.‏

والصَّواب أنَّه موقوفٌ على جابر، كذلك رواه يحيى بن أيوب قال‏:‏ أخبرني ابن جريج والحجَّاج بن أرطاة عن محمَّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنَّه سُئل عن العمرة‏:‏ أواجبة‏؟‏ فريضةٌ كفريضة الحجِّ‏؟‏ قال‏:‏ لا، وأن تعتمر خير لك‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ وقال الشَّافعيُّ‏:‏ العمرة سنَّة، لا نعلم أحدًا رخَّص في تركها، وليس فيها شيءٌ ثابتٌ بأنَّها تطوُّع‏.‏

قال الشَّافعيُّ‏:‏ وقد روي عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ضعيفٌ، لا تقوم بمثله الحجَّة، وقد بلغنا عن ابن عبَّاس أنَّه كان يوجبها‏.‏

وفي قول ابن حِبَّان في حجَّاج‏:‏ ‏(‏تركه ابن المبارك وفلان وفلان‏)‏ نظرٌ‏.‏

وقد روى الإمام أحمد حديث حجَّاج في ‏"‏ المسند ‏"‏، وقال أبو طالب عنه‏:‏ كان من الحفاظ‏.‏

قيل‏:‏ فلم ليس هو عند النَاس بذلك‏؟‏ قال‏:‏ لأن في حديثه زيادة على حديث النَّاس، ليس يكاد له حديث إلا فيه زيادة‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين‏:‏ حجَّاج‏:‏ صدوقٌ، ليس بالقويِّ، يدلِّس عن محمَّد بن عبيد الله العرزميُّ عن عمرو بن شعيب‏.‏

وقد روى ابن حِبَّان في ‏"‏ الضُّعفاء ‏"‏ حديث جابرٍ هذا عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية، والله أعلم‏.‏

2087- وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ ثنا جرير عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح ماهان قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الحجُّ جهادٌ، والعمرة تطوُّعٌ‏"‏‏.‏

2088- وقال عبد الرَّزَّاق‏:‏ عن الثَّوريِّ عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفيِّ قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الحجُّ جهادٌ، والعمرةُ تطوُّعٌ‏"‏‏.‏

وقال البيهقيُّ‏:‏ وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة موصولاً، والطريق فيه إلى شعية طريقٌ ضعيفٌ‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ رواه غُنْدر ومحمَّد بن كثير وعفَّان عن شعية عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وكذلك رواه شَريك عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح مرسلاً‏.‏

وهو الصَّواب‏.‏

كذا قال الدَّارَقُطْنِيُّ، وهو مخالفٌ لما نقله المؤلِّف عنه، والله أعلم O‏.‏

مسائل التَّمتع

مسألة ‏(‏401‏)‏‏:‏ التَّمتع أفضل من الإفراد والقِران

وقال أبو حنيفة‏:‏ القِران أفضل‏.‏

وقال مالك والشَّافعيُّ‏:‏ الإفراد أفضل‏.‏

والأحاديث التي يحتجُّ بها قسمان‏:‏ أحدها‏:‏ ما يدلُّ على أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتع‏.‏

والثَّاني‏:‏ يدلُّ على أنَّه أمر بالتمتع‏.‏

فأمَّا القسم الأوَّل‏:‏ ففيه أربعة أحاديث‏:‏ 2089- الحديث الأوَّل‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجَّاج بن محمَّد الأعور عن عمرو بن مرَّة عن سعيد بن المسيَّب قال‏:‏ اختلف عليٌّ وعثمان- وهما بعُسفان- في المتعة، فقال له عليٌّ‏:‏ ما تريد أن تنهى عن أمرٍ فعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فقال له عثمان‏:‏ دعنا عنك‏.‏

ولمَّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعًا‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لمن قال بالقِران، فإنَّ عليًّا أهلَّ- بالحجِّ والعمرة جميعًا، والتَّّمتُّع في عرف أصحاب رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل فيه القِران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحجّ النبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعًا التمتع الخاص، لأنَّه لم يحلَّ من عمرته، بل المقطوع به أنَّه قرن بين الحجِّ والعمرة، لأنَّه قد ثبت عنه أنَّه اعتمر أربع عُمر، وأنَّ العمرة الرَّابعة كانت مع حجَّته، وقد ثبت عنه أنَّه لم يحلَّ منها قبل الوقوف بقوله‏:‏ ‏"‏لولا أنَّ معي الهدي لأحللت‏"‏، وثبت أنَّه لم يعتمر بعد الحجِّ، فإنَّ ذلك لم ينقله أحدٌ عنه، وإنَّما اعتمر بعد الحجِّ عائشةُ وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنَّه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم O‏.‏

2090- الحديث الثاني‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنَّ ابن عمر قال‏:‏ تمتَّع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع بالعمرة الى الحجِّ وأهدى، فساق معه الهديَّ من ذي الحُليفة، وبدأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأهلَّ بالعمرة، ثُمَّ أهلَّ بالحجِّ، فتمتع النَّاس مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرة إلى الحجِّ، فكان من النَّاس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة قال للنَّاس‏:‏ ‏"‏من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ لشيء حرم منه حتَّى يقضي حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة، وليقصِّر وليحلل، ثُمَّ ليهلُّ بالحجِّ‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2091- الحديث الثَّالث‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن محمَّد بن عبد الله بن نوفل أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص يذكر التَّمتع بالعمرة فقال‏:‏ قد صنعها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصنعناه معه‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

ز‏:‏ محمَّد بن عبد الله هو‏:‏ ابن الحارث بن نوفل- أخو إسحاق وعبد الله-، ذكره ابن حِبَّان في ‏"‏ الثِّقات ‏"‏، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ هذا الحديث الواحد، ولم يخرِّجه مسلمٌ من طريقه، والله أعلم‏.‏

وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال‏:‏ يرويه مالكٌ وأصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص والضَّحَّاك بن قيس وهما يذكران التَّمتع‏.‏

ورواه روح بن عبادة عن مالك عن الزُّهريِّ، فقال فيه‏:‏ أنَّه سمع سعدًا والضَّحَّاك بن سفيان‏.‏

ووهم فيه روح، والصَّواب‏:‏ الضَّحَّاك بن قيس‏.‏

وأرسله ابن عيينه عن الزُّهريِّ عن سعدٍ‏.‏

2092- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّّثنا يونس بن محمَّد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال‏:‏ تمتع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى مات، وأبو بكر حتَّى مات، ‏[‏وعمر حتَّى مات،‏]‏ وعثمان حتَّى مات، وكان أوَّل من نهى عنها معاوية‏.‏

قال ابن عبَّاس‏:‏ فعجبت منه وقد حدَّثني أنَّه قصر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمشقصٍ‏!‏‏.‏

ز‏:‏ رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن مثنَّى عن ابن إدريس عن ليث- وهو ابن أبي سُليم-، وقد تقدَّم الكلام عليه غير مرَّةٍ O‏.‏

القسم الثَّاني‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالتَّمتع، وفيه عشرة أحاديث‏:‏ 2093- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن قيس بن مسلم عن طارق بن شِهاب عن أبي موسى الأشعريِّ قال‏:‏ بعثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أرض قومي، فلمَّا حضر الحجُّ حجَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحججت، فقدمت عليه وهو نازلٌ بالأبطح، فقال لي‏:‏ ‏"‏بما أهللت، يا عبد الله ابن قيس‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ لبيك بحجٍّ كحجِّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏أحسنت‏"‏‏.‏

ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏هل سقت هديًا‏؟‏ ‏"‏ قلت‏:‏ ما فعلتُ‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏اذهب فطف بالبيت، وبين الصَّفا والمروة، ثُمَّ احلل‏"‏‏.‏

فانطلقت ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأةً من قومي فغسلت رأسي بالخطمي وفلَّته، ثُمَّ أهللت بالحجِّ يوم التَّروية‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2094- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مهلِّين بالحجِّ، فلمَّا قدمنا مكَّة طفنا بالبيت، وبالصَّفا والمروة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يكن معه هديٌ فليحلل‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ أيُّ الحلِّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الحلُّ كلُّه‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فأتينا النِّساء، ولبسنا الثِّياب، ومسسنا الطِّيب؛ فلمَّا كان يوم التَّروية أهللنا بالحجِّ‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2095- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِ من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرَّم صفر، ويقولون‏:‏ إذا برأ الدَّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر‏.‏

فقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لصبيحة رابعة، مهلِّين بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا‏:‏ يا رسول الله، أيُّ الحلِّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏الحِلُّ كلُّه‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏.‏

2096- الحديث الرَّابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا سهل بن يوسف عن حميد عن بكر عن ابن عمر قال‏:‏ خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلبَّى بالحجِّ ولبَّينا معه، فلمَّا قدم أمر من لم يكن معه الهديَّ أن يجعلوها عمرة‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2097- الحديث الخامس‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا عثمان ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نرى إلا أنَّه الحجُّ، فلمَّا قدمنا تطوَّفنا بالبيت فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لم يكن ساق الهديَّ أن يحلَّ، فحلَّ من لم يكن ساق الهديَّ، ونساؤه لم يسقن فأحللن‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2098- الحديث السَّادس‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر قالت‏:‏ لمَّا أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نساءه أن يحللن بعمرة، قلت‏:‏ فما يمنعك يا رسول الله، أن تحلَّ معنا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنِّي أهديتُ ولبَّدت، فلا أحلُّ حتَّى أنحر هدي‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2099- الحديث السَّابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصرخ بالحجِّ صراخًا، حتَّى إذا طفنا بالبيت قال‏:‏ ‏"‏اجعلوها عمرةً إلا من كان معه هديٌ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فجعلناها عمرةً، فحللنا، فلمَّا كان يوم التَّروية، صرخنا بالحجِّ، وانطلقنا إلى منى‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

2100- الحديث الثَّامن‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه قدموا مكَّة وقد لبَّوا بحجِّ وعمرةٍ، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما طافوا بالبيت وسعوا بين الصَّفا والمروة أن يحلُّوا، وأن يجعلوها عمرةً، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لولا إنِّي سقت الهديَ لأحللت‏"‏‏.‏

فحلَّ القوم وتمتَّعوا‏.‏

ز‏:‏ رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث، وهو حديثٌ حسنٌ O‏.‏

2101- الحديث التَّاسع‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا يونس ثنا فُليح عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبَّد رأسه وأهدى، فلمَّا قدم مكَّة أمر نساءه أن يحللن، قلن‏:‏ مالك أنت لا تحلُّ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنِّي قلَّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحلُّ حتَّى أحلَّ من حجّتي، وأحلق رأسي‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة ‏"‏ الكتب الستة ‏"‏ من رواية فُليح، وهو حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ O‏.‏

2102- الحديث العاشر‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة أنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنَّه قال‏:‏ قدم رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكَّة وأصحابه مهلِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من شاء أن يجلعها عمرة إلا من كان معه الهديُ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ الكتب الستة‏"‏، ورواته ثقاتٌ، وقد رواه أحمد عن روح وعفَّان كلاهما عن حمَّاد بن سلمة، ولم يذكر المؤلِّف الحديث بكماله، بل ذكر قطعةً منه‏.‏

2103- وقد رواه أبو يعلى الموصليُّ بغير هذا اللفظ فقال‏:‏ حدَّثنا أبو خيثمة ثنا عفَّان ثنا حمَّاد قال‏:‏ حدَّث حميد عن بكر عن ابن عمر قال‏:‏ قدم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكَّة ملبِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏اجعلوها عمرةً إلا من كان معه الهَدْي‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله، يغدوا أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًّا‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم‏"‏‏.‏

فسطعت المجامر بالبطحاء‏:‏ وقدم عليٌّ من اليمن، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏بما أهللت، فإنَّ معنا أهلك‏؟‏ ‏"‏ قال‏:‏ أهللت بما أهلَ به رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال حميد‏:‏ فأخبرت بذلك القوم وطاوس جالسٌ، فقال‏:‏ هكذا كان الحديث O‏.‏

فإن قال الخصم‏:‏ فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر، لأنَّكم رويتم في الأوائل أنَّه تمتَّع، وفي الأواخر أنَّه تندَّم كيف ساق الهديَّ ولم يمكنه أن يفسخ؛ فأنتم بين أمرين‏:‏ إمَّا أن تصحِّحوا الأوائل، فيبطل مذهبكم في فسخ الحجِّ إلى العمرة؛ أو تصحِّحوا الأواخر، فيبطل احتجاجكم بأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمتَّع‏.‏

قالوا‏:‏ ثُمَّ نتكلَّم على أحاديثكم فنقول‏:‏ أمَّا الأوائل‏:‏ فمعارضة بالأواخر، وبما نذكره في حجَّتنا‏.‏

وأمَّا الأواخر‏:‏ فإنَّه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التَّمتُّع، بل لأمرٍ آخر، وهو ما رويتم من حديث ابن عبَّاس أن َّأهل الجاهليَّه كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور، فأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة ليخالف المشركين‏.‏

واستدلّوا عليه‏:‏ 2104- بما روى الإمام أحمد بن حنبل، قال‏:‏ حدَّثنا ‏[‏سريج‏]‏ بن النُّعمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ قال‏:‏ أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، فسخ الحجِّ لنا خاصةً أم للنَّاس عامةً‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏بل لنا خاصةً‏"‏‏.‏

2105- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدثنا أحمد بن عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان بن حَكِيم ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن أبي حَصين عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ أنَّه سئل عن متعة الحجِّ فقال‏:‏ هي والله لنا أصحاب محمَّدٍ خاصةً، وليست لسائر النَّاس إلا لمحصر‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّه إذا صحَّت الأحاديث فلا وجه لردِّها، وإنَّما ينبغي التَّمحُّل لها، ووجه الجمع بين الأحاديث‏:‏ أنَّه كان قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ، ثُمَّ أمر أصحابه بالفسخ ليفعلوا مثل فعله، لأنَّهم لم يكونوا أحرموا بعمرةٍ، ومنعَه من فسخ الحجِّ إلى عمرةٍ ثانيةٍ‏:‏ عمرتُه الأولى وسوقه الهدي‏.‏

فعلى هذا يجمع بين الأحاديث ولا يردُّ منها شيءٌ‏.‏

فإن قالوا‏:‏ كيف يصحُّ هذا التَّأويل وإنَّما عَلَّلَ بسوق الهدي، لا بفعل عمرةٍ متقدَّمةٍ‏.‏

قلنا‏:‏ ذكر إحدى العلَّتين دون الأخرى، وذلك جائزٌ‏.‏

وقولهم‏:‏ إنَّما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهليَّة‏.‏

قلنا‏:‏ لو كان كذلك لم يفرِّق بين من ساق الهدي وبين من لم يسق، ثُمَّ إنَّه قد اعتمر في أشهر الحجِّ‏:‏ 2106- ففي ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من حديث أنس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتمر أربع عمر كلَّها في ذي القعدة إلا التي مع حجَّته‏.‏

ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه وللمشركين أنَّ العمرة تجوز في أشهر الحجِّ، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحجِّ المحترم لذلك، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه الأفضل‏.‏

وأمَّا حديث ابن عبَّاس‏:‏ فإنَّه لم يرد أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسخ لأجل ما كان المشركون يعتمدونه، وإنَّما ذكر حال الجاهليَّة‏.‏

وأمَّا حديث بلال‏:‏ فقال أحمد‏:‏ لا يثبت، ولا يرويه غير الدَّراورديُّ، ولا يصحُّ حديثٌ في أنَّ الفسخ كان لهم خاصةً‏.‏

وقال‏:‏ وحديث أبي ذرٍّ يرويه رجلٌ من أهل الكوفة لم يلق أبا ذرٍّ‏.‏

ثُمَّ إنَّه ظنٌّ من أبي ذرٍّ، يدلُّ عليه حديث ابن عبَّاس أنَّ العمرة قد دخلت في الحجِّ، وفي حديث جابر أنَّ سراقة قال‏:‏ ألعامنا أم للأبد‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏بل للأبد‏"‏‏.‏

يريد أنَّ حكم الفسخ باقٍ على الأبد‏.‏

ز‏:‏ حديث الحارث بن بلال عن أبيه‏:‏ رواه أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجة من حديث الدَّراورديِّ عن ربيعة‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ تفرَّد به ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث عن أبيه، وتفرَّد به عبد العزيز الدَّراورديُّ عنه‏.‏

والحارث هذا‏:‏ ليس بالمشهور، ولا نعلم روى عنه غير ربيعة‏.‏

قال الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرَّجل- يعني الحارث بن بلال-‏.‏

وقال‏:‏ أرأيت لو عُرف الحارث بن بلال إلا أنَّ أحد عشر رجلاً من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يروون ما يروون من الفسخ، أين يقع الحارث بن بلال منهم‏؟‏ وقال في رواية أبي داود‏:‏ ليس يصحُّ حديث في الفسخ كان لهم خاصةً، وهذا أبو موسى الأشعريُّ يفتي به في خلافة أبي بكرٍ وشطر من خلافة عمر‏.‏

وأمَّا حديث أبي ذرٍّ‏:‏ فهو مخرَّجٌ في ‏"‏ الصحيح ‏"‏‏:‏ 2107- قال مسلمٌ‏:‏ حدَّثنا سعيد بن منصور وأبو بكرٍ بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا‏:‏ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ قال‏:‏ كانت المتعة في الحجِّ لأصحاب محمَّد خاصةً‏.‏

هذا الحديث موقوفٌ على أبي ذرٍّ، وقد خالفه أبو موسى وابن عبَّاس وغيرهما‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنَّ وجوب الفسخ كان خاصًا بأصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمَّا غيرهم فلا يجب عليه الفسخ، بل يجوز له، والله أعلم‏.‏

وأمَّا جمع المؤلِّف بين الأحاديث ‏(‏بأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ‏)‏ فجمعٌ ضعيفٌ جدًّا‏.‏

وكذلك قول من قال‏:‏ ‏(‏أحرم بالحجِّ ثُمَّ أدخل عليه العمرة‏)‏ ضعيفٌ أيضًا‏.‏

وكذلك قول من قال‏:‏ ‏(‏إنَّه أفرد الحجَّ، ثُمَّ لمَّا فرغ منه اعتمر‏)‏ ضعيفٌ أيضًا، لأنَّ أحدًا لم يعتمر معه بعد الحجِّ إلا عائشة‏.‏

وكذلك قول من قال‏:‏ ‏(‏إنَّه أحرم بالعمرة أولاً وساق الهدي، ثُمَّ أدخل عليها الحجَّ، ولم يتحلَّل، لأجل الهدي‏)‏ ضعيفٌ أيضًا، وإن كان أقرب من غيره‏.‏

وكذلك قول من قال‏:‏ ‏(‏إنَّه كان قارنًا وطاف طوافن، وسعى سعيين‏)‏ ضعيفٌ أيضًا‏.‏

وقد ذكرنا الدَّليل على تضعيف هذه الأقوال في غير هذا الموضع، والصَّواب أنَّه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا‏.‏

2108- وقد روى الإمام أحمد والبخاريُّ وغيرهما عن عمر بن الخطَّاب قال‏:‏ سمعت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بوادي العقيق- يقول‏:‏ ‏"‏أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال‏:‏ صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل‏:‏ عمرةٌ في حجَّة‏"‏‏.‏

وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه، وهو ذو الحليفة، والله أعلم O‏.‏

احتجَّ أصحاب أبي حنيفة بستَّة أحاديث‏:‏ 2109- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هُشيم ثنا عبد العزيز بن صُهيب عن أنس بن مالك قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة، يقول‏:‏ ‏"‏لبيك عمرةً وحجًّا‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2110- طريقٌ آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن يونس بن عُبيد عن أبي قدامة الحنفيِّ قال‏:‏ قلت لأنس بن مالك‏:‏ بأيِّ شيءٍ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهلُّ‏؟‏ فقال‏:‏ سمعته يقول سبع مرَّات‏:‏ ‏"‏بعمرةٍ وحجَّةٍ، بعمرةٍ وحجَّةٍ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة ‏"‏ الكتب الستة ‏"‏ من حديث أبي قدامة عن أنس، والله أعلم O‏.‏

2111- طريقٌ آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسين ابن الحسن المروزيُّ ثنا يزيد بن زُريع عن يونس بن عُبيد عن حُميد عن أنس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لبيك بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ لم يخرجوه من حديث يونس عن حميد O‏.‏

2112- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ أن يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عبَّاس قال‏:‏ سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏ سمعت عمر بن الخطَّاب يقول‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو بالعقيق-‏:‏ ‏"‏أتاني الليلة آتٍ من ربي عزَّ وجلَّ؛ فقال‏:‏ صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل‏:‏ عُمرةٌ في حجَّةٍ‏"‏‏.‏

قال الوليد‏:‏ يعني ذا الحليفة‏.‏

انفرد بإخراجه البخاريُّ‏.‏

2113- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا سفيان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال‏:‏ قال الصُّبي بن معبد‏:‏ كنت نصرانيًّا فأسلمت، وأهللت بالحجِّ والعمرة، فسمعني زيد بن صُوْحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهلُّ بهما، فقالا‏:‏ لهذا أضلُّ من بعير أهله‏!‏ فكأنَّما حُمل عليَّ بكلمتهما جَبَلٌ، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما فلامهما، ثُمَّ أقبل عَلَيَّ فقال‏:‏ هديت لسنَّة النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة من رواية ابن عيينة، وأخرجه أبو داود والنَّسائيُّ من حديث منصور عن أبي وائل‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ وهو حديثٌ صحيحٌ O‏.‏

2114- الحديث الرَّابع‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن الحسن بن سعد عن ابن عبَّاس قال‏:‏ أخبرني أبو طلحة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الحجِّ والعمرة‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن أبي معاوية، وحجَّاج هو‏:‏ ابن أرطاة، والله أعلم O‏.‏

2115- الحديث الخامس‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يونس ثنا داود ابن عبد الرَّحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ اعتمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع عمر‏:‏ عمرة الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة من قابل، والثَّالثة من الجعرانة، والرَّابعة التي مع حجَّته‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجة من حديث داود‏.‏

ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ من رواية داود، غير أنَّه جعله عن عمرو وعكرمة، وهو وهمٌ‏.‏

ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عكرمة أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مرسل‏.‏

وقال عليُّ بن عبد العزيز‏:‏ ليس أحدٌ يقول في هذا الحديث‏:‏ ‏(‏عن ابن عبَّاس ‏(‏إلا داود بن عبد الرَّحمن‏.‏

وقال البخاريُّ‏:‏ داود بن عبد الرَّحمن صدوق إلا أنَّه ربَّما يهم في الشيءِ O‏.‏

2116- الحديث السَّادس‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا داود بن يزيد قال‏:‏ سمعت عبد الملك الزَّزَّاد يقول‏:‏ سمعت النَّزَّال بن سَبْرة يقول‏:‏ سمعت سراقة يقول‏:‏ قرن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع‏.‏

ز‏:‏ داود بن يزيد‏:‏ هو الأوديُّ، عمُّ عبد الله بن إدريس، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد ويحيى بن معين وأبي داود وغيرهم‏.‏

ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏ من روايته‏.‏

وقد رواه أخوه إدريس بن يزيد عن عبد الملك بن ميسرة عن عطاء عن طاوس عن سراقة، والله أعلم O‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا حديث أنس‏:‏ فجوابه من ثلاثة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أنَّّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر، ورواتها أكابر الصَّحابة، مثل عليٍّ وسعد وابن عمر‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّ أنسًا كان صبيًّا حينئذٍ، فلعله ما فهم الحال، يدلُّ على هذا أنَّ ابن عمر ردَّ عليه ما قال‏:‏ 2117- فروى الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من حديث بكر بن عبد الله قال‏:‏ قال ابن عمر‏:‏ ذهل أنس، إنَّما أهلَّ بالحجِّ‏.‏

والثَّالث‏:‏ أنَّ قول أنس قد تأوَّله بعض العلماء، فقال‏:‏ يحتمل أن يكون أنس سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلِّم بعض النَّاس‏.‏

وأمَّا حديث عمر‏:‏ ففي بعض ألفاظ ‏"‏ الصَّحيح ‏"‏‏:‏ ‏"‏عمرةٌ وحجَّةٌ ‏"‏ واللفظ الذي ذكرتموه محمولٌ على معنى تحصيلهما جميعًا، لأنَّ عمرة المتمتع واقعةٌ في أشهر الحجِّ، وعلى هذا تحمل باقي الأحاديث‏.‏

وأمَّا حديث ابن عبَّاس‏:‏ فقال التِّرمذيُّ‏:‏ صحيحه موقوفٌ على عكرمة‏.‏

ز‏:‏ لا يخفى على لبيب أنَّ جواب المؤلِّف هذا فيه خللٌ من وجوه عديدة، ولولا مخافة التَّطويل لذكرتها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏أنَّ أنسًا صبيًّا حينئذٍ‏)‏ غلطٌ، فإنَّه كان بالغًا بالإجماع، بل كان ابن نحو من عشرين سنة، وكأنَّ المؤلِّف نسي قوله في مسألة الجهر‏:‏ ‏(‏لأنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصوَّر أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدَّهر يجهر‏؟‏‏)‏‏.‏

2118- وقد روى بكر عن أنس قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبِّي بالحجِّ والعمرة جميعًا‏.‏

قال بكر‏:‏ فحدَّثت بذلك ابن عمر فقال‏:‏ لبَّى بالحجِّ وحده‏.‏

فلقيت أنسًا فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس‏:‏ ما يعدونا إلا صبيانًا‏!‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏لبَّيك عمرةً وحجًّا‏"‏‏.‏

متفقٌّ عليه، وهذا لفظ مسلم O‏.‏

احتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ بثلاثة أحاديث‏:‏ 2119- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد بالحجِّ‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم‏.‏

2120- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا البغويُّ ثنا صلت بن مسعود ثنا عبَّاد بن عبَّاد ثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا‏.‏

2121- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا ابن مخلد ثنا عليُّ بن محمَّد بن معاوية ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل عتَّاب بن أسيد على الحجِّ فأفرد، ثُمَّ استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حجَّ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة عشر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف أبا بكر فبعث عمر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف عمر فبعث عبد الرَّحمن بن عوف فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حصر عثمان فأقام عبد الله بن عبَّاس للنَّاس فأفرد الحجَّ‏.‏

2122- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزُّبير عن جابر قال‏:‏ أقبلنا مُهلِّين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مُفردًا‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا حديث عائشة‏:‏ فجوابه من سبعة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أنَّه من أفراد مسلم، وقد روينا عنها في المتفق عليه ضدَّ هذا، وذلك مقدَّمٌ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر‏.‏

والثَّالث‏:‏ أنَّ أحاديثنا تتضمَّن زيادةً، فهي أولى‏.‏

والرَّابع‏:‏ أنَّه محمولٌ على أنَّه أفرد أعمال العمرة عن أعمال الحجِّ، وكلذلك يفعل المتمتع‏.‏

والخامس‏:‏ أنَّا نحمله على أنَّه لمَّا فرغ من عمرة أحرم بحجٍّ مفردٍ، ولم يضف إليه عمرةً أخرى‏.‏

والسَّادس‏:‏ أنَّا نقول‏:‏ قد روي أنَّه أفرد أو قرن، وأنَّ الأحاديث تعارضت، فقد بقي لنا ما لا خلاف فيه‏:‏ أنَّه أمر أصحابه بالفسخ للتَّمتُّع، وتأسَّف إذ لم يمكنه ذلك لسوق الهدي، فقال‏:‏ ‏"‏لو أنِّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة‏"‏‏.‏

ولولا أنَّ التَّمتُّع هو الأفضل لم يأمر به، ولم يتأسَّف عليه‏.‏

والسَّابع‏:‏ أنَّه قد نقل أبو طالب عن أحمد أنَّه قال‏:‏ كان هذا في المدينة- يعني ما نقل أنَّه أفرد-، فلمَّا وصل إلى مكَّة فسخ على أصحابه، وتأسَّف على التَّمتُّع، فدلَّ على أنَّه الأفضل، لأنَّه آخر الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وهذا المعتمد عليه في جواب حديث جابر‏.‏

وأمَّا حديث ابن عمر‏:‏ ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

وفيه عبد الله بن عمر العُمريُّ، قال يحيى‏:‏ ضعيف‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ يستحق التَّرك‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن عمر من رواية عبَّاد بن عبَّاد‏:‏ رواه مسلمٌ في ‏"‏صحيحه ‏"‏فقال‏:‏ 2123- حدَّثنا يحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلاليُّ قالا‏:‏ ثنا عبَّاد ابن عبَّاد المهلبيُّ ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في رواية يحيى‏:‏

قال‏:‏ أهللنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحجِّ مفردًا‏.‏

وفي رواية ابن عون‏:‏ أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلَّ بالحجِّ مفردًا‏.‏

كذا رواه من حديث عبَّاد عن عبيد الله، والمؤلِّف ساقه من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه‏:‏ ‏(‏عن عبد الله‏)‏ كذا وجدته في النُّسخة التي نقلت منها، والصَّواب ما رواه مسلم، وكذا وجدته في نسخةٍ أخرى، والله أعلم‏.‏

وأمَّا حديث ابن عمر من رواية ابن نافع‏:‏ 2124- فروى التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع الصَّائغ عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفرد الحجَّ، وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم‏.‏

وعبد الله بن عمر العمريُّ قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة من قبل حفظه‏.‏

وأمَّا قول المؤلِّف‏:‏ ‏(‏وأمَّا حديث ابن عمر‏:‏ ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى‏:‏ ليس بشيءٍ‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏)‏ فخطأٌ منه، فإنَّ الذي تكلَّم فيه يحيى والنَّسائيُّ هو عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وأمَّا راوي هذا الحديث فهو الصَّائغ صاحب مالك، وقد روى له مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏، ووثَّقه يحيى بن معين والنَّسائيُّ، وقد تكلَّم بعض الأئمة في حفظه، وهو ممَّن يروي عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر؛ وقد ذكر المؤلِّف في كتابه عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وذكر كلام يحيى والنَّسائيِّ وغيرهما فيه، ثُمَّ قال‏:‏ وجملة من يجئ في الحديث ‏(‏عبد الله بن نافع‏)‏ سبعة، لم نر طعنًا في أحدٍ منهم سوى هذا‏!‏ وأمَّا حديث جابر‏:‏ فرواه مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ عن قتيبة ومحمَّد بن رمح كلاهما عن الليث به، ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة‏.‏

وغالب أجوبة المصنِّف عن حديث عائشة فيها نظرٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏402‏)‏‏:‏ الأفضل أن يحرم المتمتِّع بالحجِّ يوم التَّروية‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يستحب تقديمه على يوم التَّروية‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ إن كان معه هديٌ أحرم يوم التَّروية بعد الزَّوال، وإن لم يكن معه هديٌ أحرم ليلة السَّادس من ذي الحجَّة‏.‏

2125- قال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حاتم ابن إسماعيل المدنيُّ عن جعفر بن محمَّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالفسخ، فحلَّ النَّاس كلُّهم وقصَّروا إلا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن كان معه هديٌ، فلمَّا كان يوم التَّروية توجَّهوا إلى منى، فأهلُّوا بالحجِّ‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

مسألة ‏(‏403‏)‏‏:‏ المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلَّل

ولكن إذا طاف وسعى للعمرة أهلَّ بالحجِّ، فإذا فرغ من الحجِّ تحلَّل منهما جميعًا‏.‏

وروي عنه‏:‏ أنَّه يحلُّ بالتَّقصير فقط‏.‏

وروي عنه‏:‏ أنَّه إن قدم قبل العشر جاز له التَّحلُّل، وإن قدم في العشر لم يجز له التَّحلُّل‏.‏

قال القاضي أبو يعلى‏:‏ والمذهب الصَّحيح عندي الأوَّل‏.‏

لنا‏:‏ حديث ابن عمر قال‏:‏ كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متمتعين فقال‏:‏ ‏"‏من ساق الهدي فلا يتحلَّل، ومن لم يسق فليتحلَّل‏"‏‏.‏

وقد ذكرناه بإسناده في مسألة التَّمتُّع، والله أعلم‏.‏

مسألة ‏(‏404‏)‏‏:‏ يجوز فسخ الحجِّ إلى العمرة إذا لم يسق الهديَّ، خلافًا لأكثرهم

وقد سبقت الأحاديث بأسانيدها في أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أصحابه أن يفسخوا الحجَّ إلى العمرة، وتأسَّف على كونه لم يفسخ لأجل سوق الهدي‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ عندي ثمانية عشر حديثًا صحاحًا في فسخ الحجِّ‏.‏

قال‏:‏ ويروى في الفسخ عن عشرة من الصَّحابة‏.‏

احتجَّ الخصم بحديث بلال بن الحارث، وبحديث أبي ذرٍّ، وأنَّ الفسخ كان خاصًا للصَّحابة، وقد سبق ذلك وجوابه‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ حديث بلال لا أقول به، لا يعرف هذا الرَّجل ولم يروه إلا الدراورديّ، وأحد عشر رجلاً من الصَّحابة يروون عنه في الفسخ، أين يقع بلال بن الحارث منهم‏؟‏‏!‏‏.‏

مسائل الإحرام

مسألة ‏(‏405‏)‏‏:‏ لا يجوز للمحرمة لبس القفَّازين‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

وعن الشَّافعي كالمذهبين‏.‏

2126- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يعلى بن عبيد ثنا محمَّد بن إسحاق عن عن ابن عمر قال‏:‏ سمعت رسول الله نهى النِّساء في الإحرام عن القفَّازين والنِّقاب، وما مسَّه الورس والزَّعفران من الثِّياب‏.‏

2127- وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفَّازين‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن إسحاق‏:‏ رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يعقوب إبراهيم بن سعد عن أبيه بأطول من هذا‏.‏

وحديث الليث‏:‏ رواه البخاريُّ عن عبد الله بن يزيد، ورواه أبو داود والنَّسائيُّ جميعًا عن قتيبة كلاهما عنه به‏.‏

قال البخاريُّ‏:‏ تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النِّقاب والقفَّازين، وقال عبيد الله‏:‏ ‏(‏ولا ورس‏)‏، وكان يقول‏:‏ ‏(‏لا تنتقب المحرمة ولا تليس القفَّازين‏)‏، وقال مالك عن نافع عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏لا تنتقب المحرمة‏)‏، وتابعه ليث بن أبي سليم‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع على ما قال الليث، ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة موقوفًا على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله ومالك وأيوب موقوفًا O‏.‏

مسألة ‏(‏406‏)‏‏:‏ لا ينقطع حكم الإحرام بالموت‏.‏

وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الجنائز فلتنظر من ثَمَّ‏.‏

مسألة ‏(‏407‏)‏‏:‏ يجوز للرَّجل ستر وجهه في الإحرام‏.‏

وعنه‏:‏ لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة ومالك‏.‏

لنا‏:‏ قوله عليه السَّلام في المحرم‏:‏ ‏"‏ولا تخمِّروا رأسه‏"‏‏.‏

وقد سبق في مسائل الجنائز‏.‏

وقد روى أصحابنا أنَّه قال في المحرم‏:‏ ‏"‏خمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ في بعض ألفاظ مسلم‏:‏ ‏"‏ولا تغطوا وجهه، فإنَّه يبعث يلبِّي‏"‏‏.‏

وله أيضًا‏:‏ ‏"‏خارجٌ رأسُه ووجهُه‏"‏‏.‏

2128- وقد روى الشَّافعيُّ من حديث إبراهيم بن أبي حُرَة عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏وخمِّروا وجهه، ولا تخمِّروا رأسه‏"‏‏.‏

وإبراهيم‏:‏ وثَّقه يحيى وأحمد وأبو حاتم‏.‏

2129- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ حدَّثنا أبو بكر الشَّافعيُّ ثنا موسى بن الحسن ثنا القَعْنَبِيُّ ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريُّ عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفَّان‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخمِّر وجهه وهو محرمٌ‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هكذا كان في كتاب أبي بكر مرفوعًا، والصَّواب موقوف‏:‏ 2130- أخبرنا إسماعيل الصَّفار وحمزة بن محمَّد قالا‏:‏ ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا عليٌّ- يعني‏:‏ ابن المدينيِّ- ثنا سفيان قال‏:‏ سمعت عبد الله بن أبي بكر يقول‏:‏ أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة أنَّه رأى عثمان بالعُرْج مخمِّرًا وجهه بقطيفة أرجوان في يوم صائفٍ وهو محرم‏.‏

والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏408‏)‏‏:‏ إذا عدم الإزار وليس السَّراويل فلا فدية عليه‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 2131- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هُشيم أنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عبَّاس قال‏:‏ خطب رسود الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏إذا لم يجد الحرم إزارًا فليلبس السَّراويل، وإذا لم يجد النَّعلين فليلبس الخفَّين‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2132- طريقٌ آخر‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يحيى عن ابن جريج قال‏:‏ أخبرني عمرو بن دينار أنَّ أبا الشَّعثاء أخبره أنَّ ابن عبَّاس أخبره أنه سمع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏من لم يجد إزارًا ووجد سراويل فليلبسه، ومن لم يجد نعلين ووجد خفَّين فليلبسهما‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ولم يقل‏:‏ ليقطعهما‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلم عن علي بن خَشْرَم عن عيسى بن يونس عن ابن جريج، ولم يسق متنه O‏.‏

2133- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي الزُّبير عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين، ومن لم يجد إزارًا فليلبسهما سراويل‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2134- بما رواه الإمام أحمد قال‏:‏ حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال‏:‏ سأل رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ما يلبس المحرم من الثِّياب‏؟‏- وقال سفيان مرَّة‏:‏ ما يترك المحرم من الثِّياب‏؟‏- فقال‏:‏ ‏"‏لا يلبس القميص، ولا البُرنس، ولا السَّراويل، ولا العمامة، ولا ثوبًا مسه الوَرْس ولا الزَّعفران، ولا الخفَّين، إلا لمن لا يجد نعلين، فمن لا يجد نعلين فليلبس الخفَّين، وليقطعهما حتَّى يكونا أسفل من الكعبين‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ الرُّواة لهذا الحديث اختلفوا، قال أبو داود‏:‏ رواه موسى ابن عقبة وعبيد الله بن عمر ومالك وأيُّوب موقوفًا على ابن عمر‏.‏

ثُمَّ نقول‏:‏ يجوز القطع‏.‏

فصلٌ‏:‏ فإذا عدم النَّعلين ولبس الخفَّين فلا فدية

وقال أكثرهم‏:‏ لا يجوز له لبسهما حتَّى يقطعهما أسفل من الكعبين، فإن لبسهما لزمته الفدية‏.‏

لنا‏:‏ ما تقدَّم من الحديث‏.‏

ز‏:‏ قال صاحب ‏"‏ المغني ‏"‏ فيه‏:‏ واحتجَّ أحمد‏:‏ بحديث ابن عبَّاس وجابر‏:‏ ‏"‏من لم يجد نعلين فليلبس خفين‏"‏‏.‏

مع‏:‏ 2135- قول عليٍّ رضي الله عنه‏:‏ قطع الخفَّين فسادٌ، يلبسهما كما هما‏.‏

مع موفقة القياس، فإنَّه ملبوسٌ أبيح لعدم غيره، فأشبه السَّراويل، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحظر، فإنَّ لبس المقطوع محرمٌ مع القدرة على النَّعلين كلبس الصَّحيح، وفيه إتلاف ماليّته، وقد نهى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعته‏.‏

فأمَّا حديث ابن عمر‏:‏ فقد قيل‏:‏ إنَّ قوله‏:‏ ‏(‏وليقطعهما‏)‏ من كلام نافع‏.‏

2136- كذلك رويناه في ‏"‏ أمالي أبي القاسم بن بشران ‏"‏ بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ نافعًا قال بعد روايته للحديث‏:‏ وليقطع الخفَّين أسفل من الكعبن‏.‏

2137- وروى ابن أبي موسى عن صفيَّة بنت أبي عبيد عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخَّص للمحرم أن يليس الخفَّين ولا يقطعهما‏.‏

وكان ابن عمر يفتي بقطعهما، قالت صفيَّة‏:‏ فلمَّا أخبرته بهذا رجع‏.‏

2138- وروى أبو حفص في ‏"‏ شرحه ‏"‏ بإسناده عن عبد الرَّحمن بن عوف أنَّه طاف وعليه خفَّان، فقال له عمر‏:‏ والخفَّان مع القباء‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ قد لبستهما مع من هو خير منك- يعني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-‏.‏

ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخًا، فإنَّ عمرو بن دينار روى الحديثين جميعًا، وقال‏:‏ انظروا أيّهما كان قبلٌ‏.‏

قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ قال أبو بكر النَّيسابوريُّ‏:‏ حديث ابن عمر قَبلُ، لأنَّه قد جاء في بعض رواياته قال‏:‏ ‏(‏نادى رجلٌ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالمسجد- يعني المدينة- ‏)‏ فكأنَّه كان قبل الإحرام، وفي حديث ابن عبَّاس يقول‏:‏ ‏(‏سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب بعرفات يقول‏:‏ ‏"‏من لم يجد نعلين فليلبس خفَّين ‏"‏‏)‏‏.‏

فيدلُّ على تأخره عن حديث ابن عمر، فيكون ناسخًا له، لأنَّه لو كان القطع واجبًا لبيَّنه للنَّاس، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه‏؟‏ والمفهوم من إطلاق لبسِهما‏:‏ لبسُهما على حالهما من غير قطعٍ‏.‏

والأولى قطعهما عملاً بالحديث الصَّحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط‏.‏

انتهى كلامه O‏.‏

مسألة ‏(‏409‏)‏‏:‏ لا يجوز لبس الخفِّ المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النَّعل، فإن لبس افتدى، خلافًا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشَّّافعيِّ‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرط في جواز لبسهما عدم النَّعلين على ما تقدَّم‏.‏

مسألة ‏(‏410‏)‏‏:‏ لا يجوز له تظليل المحمل، فإن ظلَّل ففي الفدية روايتان‏.‏

وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ‏:‏ يجوز ولا فدية عليه‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ رسول الله وأصحابه دخلوا مكة مُضْحِين، وقال‏:‏ ‏"‏خذوا عنِّي‏"‏‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2139- بما رواه أبو داود، قال‏:‏ حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا محمَّد بن ‏[‏سلمة‏]‏ عن أبي عبد الرَّحيم عن زيد بن أبي أُنيسة عن يحيى بن حُصَين عن أم الحُصَين قالت‏:‏ حججنا مع النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذٌ بخطام ناقة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والآخر رافعٌ ثوبه يستره من الحرِّ، حتَّى رمى جمرة العقبة‏.‏

والجواب من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنَّ أبا عبد الرَّحيم ضعيفٌ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه يحتمل أن يكون رافع الثَّوب لم يظلِّل به، وإنَّما رفعه من ناحية الشَّمس‏.‏

ز‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، رواه مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ عن أحمد ابن حنبل، ورواه النَّسائيُّ عن أبي أميَّة عمرو بن هشام الحرانيِّ عن محمَّد بن سلمة بإسناده نحوه‏.‏

وأبو عبد الرَّحيم هو‏:‏ الحرانيُّ، واسمه‏:‏ خالد بن أبي يزيد، وقد وثَّقه يحيى بن معين وغيره، واحتجَّ به مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ ولا نعلم أحدًا تكلَّم فيه، وقد أخطأ المؤلِّف في تضعيفه‏:‏ وهو ‏[‏راوية‏]‏ زيد بن أبي أنيسة، وخال محمَّد بن سلمة- الرَّاوي عنه-، ومحمَّدٌ أروى النَّاس عنه‏.‏

ولم يتفرَّد أبو عبد الرَّحيم بهذا الحديث عن زيد، فقد رواه مسلمٌ من رواية معقل بن عبيد الله عن زيد‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنَّ الوجه الثَّاني الذي ذكره المؤلِّف لا يستقيم، فإنَّ التَّظليل على النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّما كان بعد الزَّوال، والشَّمس في الصَّيف، وهي على أعلى الرؤوس، فتعيَّن كون التَّظليل على رأسه صلوات الله عليه O‏.‏

مسألة ‏(‏411‏)‏‏:‏ إذا ادَّهن بالشَيْرَج والزَّيت فلا فدية عليه‏.‏

وعنه‏:‏ عليه الفدية، كقول أبي حنيفة‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ إن دهن رأسه أو وجهه فعليه الفدية، وفي بقية البدن كقولنا‏.‏

2140- قال التَّرمذيًّ‏:‏ حدَّثنا هنَّاد ثنا وكيع عن حمَّاد بن سلمة عن فرقد السَّبخيِّ عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدّهن بالزَّيت- وهو محرمٌ- غير مُقَتَّت‏.‏

والمُقَتَّتُ‏:‏ المطيَّب‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ لا يعرف إلا من حديث فرقد، وقد ضعَّفوه‏.‏

ز‏:‏ رواه الإمام أحمد وابن ماجة من حديث فرقد أيضًا، والأكثر على تضعيفه، وقد وثَّقه يحيى بن معين في رواية عثمان بن سعيد الدَّارميِّ عنه‏.‏

ولم يذكر ابن عساكر وشيخنا في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ هذا الحديث إلا من رواية ابن ماجة فقط، وكذلك الحافظ أبو عبد الله المقدسيُّ في ‏"‏ الأحكام‏"‏، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏412‏)‏‏:‏ يجوز للمحرم لبس المعصفر‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ لا يجوز‏.‏

2141- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه نهى النِّساء في إحرامهن عن القُفَّازين والنِّقاب، وما مسَّ الورس والزَّعفران من الثِّياب، ولتليس بعد ذلك ما أحبَّت من ألوان الثِّياب معصفرًا أو خزًّا‏.‏

مسألة ‏(‏413‏)‏‏:‏ لا يجوز للمحرم لبس ثوبٍ مبخَّرٍ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن لبس ثوبٍ مسَّه وَرْسٌ أو زعفران، وقد سبق هذا‏.‏

مسألة ‏(‏414‏)‏‏:‏ لا تلزمه الفدية بشمِّ شيءٍ من الرَّياحن‏.‏

وعنه‏:‏ عليه الفدية‏.‏

وعنه‏:‏ يحرم ما نبت بنفسه، دون ما ينبتُه النَّاس‏.‏

وقد قال الشَّافعيُّ‏:‏ شمُّ الورد يوجب الفدية، وفي الرَّيحان قولان‏.‏

استدلَّ أصحابنا‏:‏ 2142- بأنَّ عثمان سُئل عن المحرم‏:‏ أيدخل البستان‏؟‏ فقال‏:‏ نعم ويشمُّ الرَّيحان‏.‏

2143- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن مخلد ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية الضَّرير عن ابن جريج عن أيوب السَّختيانيِّ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ المحرم يشمُّ الرَّيحان، ويدخل الحمَّام‏.‏

ز‏:‏ 2144- هذا الأثر المروي عن عثمان في شمِّ المحرم الرَّيحان، أخبرنا به شيخنا الإمام الحافظ ذو التَّحرير والإتقان، أبو الحجَّاج يوسف بن الزَّكي ‏[‏عبد الرَّحمن‏]‏ قال‏:‏ أنبأنا غير واحدٍ من المشايخ الأعيان، منهم‏:‏ أبو الغنائم المسلم بن محمَّد بن علان، قالوا‏:‏ أجاز لنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعيُّ محدِّث ذاك الأوان، أنا جمال الإسلام أبو الحسن مفتي الزَّمان، ثنا عبد العزيز ابن أحمد بيَّاع الكِتَّان، قال‏:‏ حدَّثني أبو نصر عبد الوهَّاب بن عبد الله المزيُّ الجبَّان، ثنا أبو هاشم عبد الجبَّار بن عبد الصَّمد معلِّم الصِّبيان، ثنا أبو إسحاق إبراهيم المودبان، ثنا أبو جعفر بن نصر واسمه حمدان، ثنا نصر بن أبان، ثنا الوليد بن الزنبيان، ثنا المعافى بن عمران، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن حمران بن أبان، عن أبان بن عثمان، عن عثمان بن عفَّان، في المحرم يدخل البستان، قال‏:‏ نعم ويشمُّ الرَّيحان‏.‏

هذا حديثٌ موضوعٌ، وإسناد مصنوعٌ، عند أدنى من له بصيرة في هذا الشَّأن، وضعه بعض المجاهيل بلا ريب، فالله المستعان‏.‏

2145- وقد روى البيهقيُّ من رواية ابن جريج عن أبي الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن الرَّيحان يشمُّه المحرم، والطِّيب والدُّهن‏؟‏ فقال‏:‏ لا‏.‏

2146- وروى من رواية أيوب عن نافع عن ابن عمر أنَّه كان يكره شمَّ الرَّيحان للمحرم O‏.‏

مسألة ‏(‏415‏)‏‏:‏ إذا غسل المحرم رأسه بالسِّدر والخطميِّ فلا فدية‏.‏

وعنه‏:‏ تلزمه الفدية، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا‏:‏ قوله عليه السَّلام في المحرم‏:‏ ‏"‏اغسلو‏"‏ بماءٍ وسدرٍ‏"‏، وقد سبق بإسناده في ‏(‏كتاب الجنائز‏)‏‏.‏

إلا أنَّ الخصم يقول‏:‏ إذا مات انقطع حكم إحرامه بالموت، وقد أبطلنا ذلك هناك‏.‏

مسألة ‏(‏416‏)‏‏:‏ لا يصحُّ أن يعقد المحرم عقد النِّكاح‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يصحُّ‏.‏

2147- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن سعيد عن مالك قال‏:‏ حدَّثني نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏المحرم لا يَنكح ولا يُنكِح ولا يَخطب‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2148- بما رواه الإمام أحمد قال‏:‏ حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نكح ميمونة وهو محرمٌ‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2149- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يونس ثنا حمَّاد بن سلمة عن حُميد عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان‏.‏

ز‏:‏ رواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن إسحاق الصَّاغانيِّ عن أحمد بن إسحاق عن حمَّاد بن سلمة‏.‏

ورواه أيضًا عن إبراهيم بن يونس بن محمَّد عن أبيه عن حمَّاد بن سلمة عن حميد عن مجاهد عن ابن عبَّاس‏.‏

وهذا مخالفٌ لرواية أحمد عن يونس، فإنَّ فيها ‏(‏عن عكرمة‏)‏ والله أعلم O‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ ميمونة أخبرت بضدِّ هذا، والإنسان أعرف بحال نفسه من غيره‏.‏

2150- قال أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حمَّاد بن سلمة عن حبيب ابن الشَّهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت‏:‏ تزوَّجني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا حلال، بعدما رجعنا من مكَّة‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حمَّاد بنحوه‏:‏ تزوَّجني النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحن حلالان بسرف O‏.‏

2151- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال‏:‏ سمعت أبا فزارة يحدِّث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّجها حلالاً، وبنى بها حلالاً‏.‏

وماتت بسَرِف فدفنها في الظُّلَّة التي بنى فيها‏.‏

فنزلنا في قيرها أنا وابن عبَّاس‏.‏

انفرد بإخراج هذا الحديث مسلمٌ‏.‏

2152- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عفَّان ويونس قالا‏:‏ ثنا حمَّاد بن زيد ثنا مطر عن ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوَّج ميمونة حلالاً، وكنت الرَّسول بينهما‏.‏

ز‏:‏ رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن حمَّاد به، وقال‏:‏ حسنٌ، ولا نعلم أحدًا أسنده غير حمَّاد عن مطر، ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلاً‏.‏

2153- وقال الحافظ أبو بكر الخطيب‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمَّد بن عبد الله الخفَّاف أنا محمَّد بن المظفَّّر ثنا محمَّد بن القاسم بن عبد الرَّحمن بن أبي نزار ثنا ياسن بن محمَّد الأنباريُّ ثنا محمَّد بن سليمان بن أبي داود الأنباريُّ ثنا أبو ضمرة عن ربيعة عن أنس قال‏:‏ بعث النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا رافع ورجلاً من الأنصار فأنكحاه ميمونة قبل أن يحرم‏.‏

هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وفي إسناده من تجهل حاله، والصَّواب رواية ربيعة عن سليمان، والله أعلم O‏.‏

2154- وروى أبو داود أنَّ سعيد بن المسيَّب قال‏:‏ وهم ابن عبَّاس في قوله‏:‏ ‏(‏تزوَّج ميمونة وهو محرمٌ‏)‏‏.‏

وفي هامش الأصل‏:‏ ‏(‏حاشية‏:‏ قال البيهقي‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الله إسحاق ابن محمَّد السوسي قالا‏:‏ ثنا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب ثنا أبو جعفر محمَد بن عوف بن سفيان الطائي ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ثنا الأوزاعي ثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عبَّاس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج ميمونة وهو محرم‏.‏

فقال‏:‏ قال سعيد بن المسب‏:‏ وَهَلَ ابن عبَّاس وإن كانت خالته، ما تزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بعد ما حلَّ‏.‏

رواه البخاري في ‏"‏ الصحيح ‏"‏ عن عبد القدوس بن الحجاج‏.‏

وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عبَّاس ‏(‏وهو محرم‏)‏ أي‏:‏ في شهرٍ حرام‏.‏

قال الشَّاعر‏:‏ قتلوا ابن عفَّان الخليفة محرمًا‏.‏

أي‏:‏ في شهرٍ حرام‏.‏

ز‏:‏ قال الخطيب‏:‏ أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الثَّابتيُّ أنا أحمد بن محمَّد بن موسى القرشيُّ أنا محمَّد بن يحيى ثنا أحمد بن يزيد المهلَّبيُّ ثنا حمَّاد بن إسحاق الموصليُّ عن أبيه إسحاق قال‏:‏ سأل الرَّشيد عن بيت الرَّاعي‏:‏ قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا ودعا فلم أر مثله مخذولاً ما معنى‏:‏ محرمًا‏؟‏ فقال الكسائيُّ‏:‏ أحرم بالحجِّ‏.‏

فقال الأصمعيُّ‏:‏ ما كان أحرم بالحجِّ، ولا أراد الشَّاعر أنَّه أيضًا في شهرٍ حرامٍ، فيقال‏:‏ ‏(‏أحرم‏)‏ إذا دخل فيه، كما يقال‏:‏ ‏(‏أشهر‏)‏ إذا دخل في الشَّهر، و ‏(‏أعام‏)‏ إذا دخل في العام‏.‏

فقال الكسائيُّ‏:‏ ما هو غير هذا‏؟‏‏!‏ وإلا فما أراد‏؟‏‏!‏ فقال الأصمعيُّ‏:‏ ما أراد عديُّ بن زيد بقوله‏:‏ قتلوا كسرى بليل محرمًا فتولى لم يُمتع بكفن أيُّ احرام لكسرى‏؟‏‏!‏ فقال الرَّشيد‏:‏ فما المعنى‏؟‏ قال‏:‏ كلُّ- من لم يأت شيئًا يوجب عليه عقوبةً فهو مُحرمٌ لا يحلُّ شيءٌ منه‏.‏

فقال الرَّشيد‏:‏ ما تطاق في الشِّعر يا أصمعيُّ‏!‏ ثُمَّ قال‏:‏ لا تعرضوا للأصمعيِّ في الشِّعر O‏.‏

مسألة ‏(‏417‏)‏‏:‏ إذا أفسد الحجَّ والعمرة لزمه المضي في فاسدهما‏.‏

وقال داود‏:‏ يخرج منهما‏.‏

2155- قال سعيد بن منصور‏:‏ حدَّثنا سفيان ثنا يزيد بن جابر قال‏:‏ سألت مجاهدًا‏:‏ عن الرَّجل يأتي امرأته وهو محرمٌ، قال‏:‏ كان ذلك على عهد عمر بن الخطَّّاب، فقال عمر‏:‏ يقضيان حجَّهما- والله أعلم بحجِّهما-، ثمَّ يرجعان حلالاً، حتَّى إذا كان من قابل حجًّا وأهديًا‏.‏

2156- قال سعيدٌ‏:‏ وحدَّثنا هُشيم أنا أبو بشر قال‏:‏ حدَّثني رجلٌ من قريش أنَّ رجلاً وقع بامرأته وهما محرمان، فقال ابن عبَّاس‏:‏ اقضيا ما عليكما من نسككما هذا، وعليكما الحجُّ من قابلٍ‏.‏

وقد روينا مثل هذا عن ابن عمر وعطاء وإبراهيم‏.‏

ز‏:‏ ليس فيما ذكره ما ينهض حجَّة على داود، فإنَّ الأثرين اللذين ذكرهما من رواية سعيد لو كانا متصلين لم يحتجَّ بهما، فكيف وهما منقطعان‏؟‏‏!‏

2157- وقد روى البيهقيُّ من رواية ‏[‏عبيد الله‏]‏ بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه أنَّ رجلاً أتى عبد الله بن عَمرو ليسأله عن محرمٍ وقع بامرأته، فأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال‏:‏ اذهب إلى ذلك فسله‏.‏

قال شعيب‏:‏ فلم يعرفه الرَّجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال‏:‏ بطل حجُّك‏.‏

قال الرَّجل‏:‏ فما أصنع‏؟‏ قال‏:‏ اخرج مع النَّاس واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابل فحجَّ واهد‏.‏

فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره، فقال‏:‏ اذهب إلى ابن عبَّاس فسله‏.‏

قال شعيب‏:‏ فذهبت معه إلى ابنِ عبَّاس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو- وأنا معه- فأخبره بما قال ابن عبَّاس، ثُمَّ قال‏:‏ ما تقول أنت‏؟‏ فقال‏:‏ قولي مثل ماقالا‏.‏

قال البيهقيُّ‏:‏ هذا إسنادٌ صحيحٌ، وفيه دليلٌ على صحَّة سماع شعيب بن محمَّد بن عبد الله من جدِّه عبد الله بن عمرو O‏.‏

مسائل جزاء الصيد

مسألة ‏(‏418‏)‏‏:‏ يجب الجزاء بقتل الصَّيد خطأ

وعنه‏:‏ لا يجب، كقول داود‏.‏

2158- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ أخبرنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا قبيصة عن جرير بن حازم فقال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرَّحمن بن أبي عمَّار عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الضبع، فقال‏:‏ ‏"‏هي صيدٌ‏"‏‏.‏

وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشًا‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏/ رواه أبو داود عن محمَّد بن عبد الله الخُزاعيِّ عن جريرٍ به‏.‏

ورواه التِّرمذيُّ عن أحمد بن منيع عن إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن عبد الله بمعناه، وقال‏:‏ حسنٌ صحيحٌ، وقال عليٌّ‏:‏ قال يحيى بن سعيد‏:‏ روى جرير بن حازم هذا فقال‏:‏ ‏(‏عن جابر عن عمر‏)‏‏.‏

وحديث ابن جريجٍ أصحُّ‏.‏

ورواه النَّسائيُّ عن محمَّد بن منصور عن سفيان عن ابن جريج نحوه‏.‏

ورواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن وكيع عن جرير، وعن هشام ابن عمَّار ومحمَّد بن الصَّبَّاح كلاهما عن عبد الله بن رجاء المكيِّ عن إسماعيل بن أميَّة عن عبد الله بن عبيد بمعناه O‏.‏

مسألة ‏(‏419‏)‏‏:‏ بيض النَّعام مضمونٌ‏.‏

وقال داود‏:‏ لا يضمن‏.‏

لنا حديثان‏:‏ 2159- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا المحاربيُّ ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا إبراهيم بن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله ابن عبيد الله عن عكرمة عن ابن عبَّاس عن كعب بن عُجرة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في بيض النَّعام أصابه محرمٌ بقدر ثمنه‏.‏

2160- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا عيسى بن أبي عمران ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا ابن جريجِ عن أبي الزِّناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏في بيضة نعامٍ صيامُ يومٍ أو إطعام مسكينٍ‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ هذا الحديث أصحُّ من الأوَّل، والأوَّل ليس بشيءٍ‏.‏

في الأوَّل‏:‏ حسين بن عبد الله، قال ابن المدينيِّ‏:‏ تركت حديثه‏.‏

وقال السَّعديُّ‏:‏ لا يشتغل بحديثه‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

واختلف كلام يحيى بن معين‏:‏ فقال تارة‏:‏ هو ضعيفٌ، وقال مرَّة‏:‏ ليس به بأسٌ، يكتب حديثه‏.‏

وفي الإسناد‏:‏ إبراهيم بن أبي يحيى، وذاك ضعيفٌ بمرَّةٍ، وقد أطلق عليه الكذب مالك بن أنس ويحيى بن سعيد وابن معين، وقال أحمد والبخاريُّ‏:‏ قد ترك النَّاس حديثه‏.‏

وكذلك قال النَّسائيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هو متروكٌ‏.‏

وفي الإسناد‏:‏ عبَّاد بن يعقوب، قال ابن حِبَّان‏:‏ يروي المناكير عن المشاهير، فاستحقَّ التَّرك‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ليس بضعيفٍ‏.‏

ز‏:‏ هذان الحديثان لم يخرجهما أحدُ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، والحديث الثَّاني منكرٌ جدًّا‏.‏

وعيسى بن أبي عمران ليس بشيءٍ، قال ابن أبي حاتم‏:‏ عيسى بن أبي عمران، أبو عمرو البزَّاز الرَّمليُّ، روى عن الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة وأيُّوب بن سويد، كتبت عنه بالرَّملة، فنظر أبي في حديثه فقال‏:‏ يدلُّ حديثه أنَّه غير صدوقٍ‏.‏

فتركت الرِّواية عنه‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ عيسى بن عبد الله بن سليمان القرشيُّ العسقلانيُّ، ضعيفٌ يسرق الحديث‏.‏

والظَّاهر أنَّ هذا هو ابن أبي عمران، فإنَّ ابن عَدِيٍّ روى له أحاديث منكرة عن الوليد بن مسلم؛ وذكر الخطيب أنَّ عيسى بن عبد الله العسقلانيَّ نزل بغداد، وحدَّث عن الوليد بن مسلم وضمرة وآدم بن أبي إياس، وروى عنه ابن مخلد وغيره O‏.‏

مسألة ‏(‏420‏)‏‏:‏ الدَّال على الصَّيد يلزمه الجزاء إذا كان محرمًا

وقال مالكٌ والشَّافعيُّ‏:‏ لا يلزمه‏.‏

لنا‏:‏ 2161- ما روى أبو بكر الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من حديث أبي قتادة أنَّه كان مع أناسٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم محرمون، وأبو قتادة ليس بمحرمٍ، فصرع حمار وحشٍ فأكل من لحمه، وأبى أصحابه أن يأكلوا، و أنَّهم سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏أشرتم أو قتلتم أو صدتم‏؟‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فلا بأس به، كلوا‏"‏‏.‏

فوجه الدَّليل‏:‏ أنَّه سوَّى بين الإشارة والقتل‏.‏

ز‏:‏ أصل حديث أبي قتادة في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏، وفي بعض ألفاظه‏:‏ قال‏:‏ ‏"‏هل معكم أحدٌ أمره، أو أشار إليه بشيءٍ‏؟‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فكلوا ما بقي من لحمها‏"‏‏.‏

وفي لفظٍ‏:‏ ‏"‏أمنكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها ‏"‏ O‏.‏

مسألة ‏(‏421‏)‏‏:‏ ما لا يؤكل لحمه، ولا هو متولِّدٌ ممَّا يؤكل لحمه- كالسَّبع والنِّسر-، لا يضمن بالجزاء‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يضمن‏.‏

2162- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه قال‏:‏ سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ما يقتل المحرم من الدَّواب‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏خمسٌ لا جناح في قتلهنَّ على من قتلهنَّ‏:‏ العقرب، والفأرة، والغراب، والحدأة، والكلب العقور‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏، وفيهما مثله من حديث عائشة وحفصة‏.‏

فالحجَّة فيه من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن السَّبع يسمَّى كلبًا، قال عليه السَّلام في عتيبة بن أبي لهب‏:‏ ‏"‏اللهم سلَّط عليه كلبًا من كلابك‏"‏‏.‏

فأكله السَّبع‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّه لمَّا نصَّ على ‏(‏الكلب العقور‏)‏ نبَّه على السَّبع، لأنَّه أشدُّ ضررًا منه‏.‏

مسألة ‏(‏422‏)‏‏:‏ إذا اشترك جماعة مُحْرِمُون في قتل صيدٍ، فعليهم جزاءٌ واحدٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ على كلِّ واحدٍ منهم جزاءٌ كاملٌ‏.‏

لنا‏:‏ أنَّه سُئل عن الضَّبع فقال‏:‏ ‏"‏صيدٌ‏"‏‏.‏

وجعل فيها كبشًا‏.‏

وقد سبق بإسناده‏.‏

مسألة ‏(‏423‏)‏‏:‏ يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يحرم‏.‏

لنا ثلاثة أحاديث‏:‏ 2163- الحديث الأوَّل‏:‏ قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل‏:‏ حدَّثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الله بن الزُّبير الحُميديُّ ثنا سفيان ثنا الزُّهريُّ قال‏:‏ أخبرني عُبيد الله بن عبد الله أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ أخبرني الصَّعب ابن جَثَامة الليثيُّ قال‏:‏ أهديتُ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحم حمارِ وحشٍ وهو بالأبواء- أو بودَّان- فردَّه عليَّ، فلما رأى الكراهيَّة في وجهي، قال‏:‏ ‏"‏إنَّه ليس بنا ردٌّ عليك، ولكنَّا حرمٌ‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

قال الشَّافعيُّ‏:‏ وجه هذا الحديث أنَّه إنَّما ردَّه عليه لمَّا ظنَّ أنَّه صِيد من أجله، فتركه على التَّنزُّه‏.‏

2164- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو سلمة الخزاعيُّ ثنا عبد العزيز عن عمرو بن أبي عمرو عن رجلٍ من الأنصار عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏كلوا لحم الصَّيد وأنتم حرمٌ مالم تصيدوه أو يصاد لكم‏"‏‏.‏

2165- طريقٌ آخرٌ‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطَّلِب عن جابر أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏صيد البرِّ لكم حلالٌ وأنتم حرمٌ، مالم تصيدوه أو يصاد لكم‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ لا نعرف للمطَّلب سماعًا من جابر‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ قلت‏:‏ قال يحيى بن معين‏:‏ عمرو بن أبي عمرو لا يحتجُّ بحديثه‏.‏

وقال مرَّة‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ ما به بأسٌ‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ هذا أحسن حديثٍ روي في هذا الباب وأقيس‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث ‏[‏أيضًا‏:‏‏]‏ أبو داود والنَّسائيُّ عن قتيبة، وقال النَّسائيُّ‏:‏ عمرو بن أبي عمرو ليس هو بالقويِّ في الحديث، وإن كان قد روى عنه مالك‏.‏

ورواه أبو حاتم البستيُّ عن الحسن بن سفيان عن قتيبة، ورواه الإمام أحمد أيضًا عن سعيد بن منصور وقتيبة كلاهما عن يعقوب‏.‏

وعمرو بن أبي عمرو تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، ووثَّقه غير واحدٍ منهم، وأخرج له البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ صحيحيهما‏"‏‏.‏

والمطَّلب بن عبد الله بن حَنْطب‏:‏ ثقةٌ، إلا أنَّه لم يسمع من جابر فيما قيل، قال ابن أبي حاتم في ‏"‏ المراسيل ‏"‏‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ المطَّلب بن عبد الله بن حَنْطب عامَّة أحاديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سهل بن سعدٍ وسلمة بن اكوع وأنسًا أو من كان قريبًا منهم، لم يسمع من جابر‏.‏

وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب ‏"‏ الجرح والتَّعديل ‏"‏ أنَّه قال‏:‏ وجابر يشبه أن يكون أدركه، والله أعلم O‏.‏

2166- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أبو بكر النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن يحيى ثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال‏:‏ خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا، فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم أكن أحرمت، وأنِّي إنما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فأكلوا، ولم يأكل منه حين أخبرته أنِّي اصطدته لك‏.‏

قال أبو بكر النَّيسابوريُّ‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏اصطدته لك‏)‏، وقوله‏:‏ ‏(‏ولم يأكل منه‏)‏، لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وهو موافقٌ لما روي عن عثمان أنَّه صيد له طائرٌ وهو محرمٌ فلم يأكل‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن محمَّد بن يحيى‏.‏

2167- قال الإمام أحمد في ‏"‏ المسند ‏"‏‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال‏:‏ خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية، فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حمارًا فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكرت أنِّي لم أكن أحرمت، وأنِّي إنَّما اصطدته لك، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه فكلوا، ولم يأكل منه حين ‏[‏أخبرته‏]‏ أنِّي اصطدته له‏.‏

والظَّاهر أنَّ هذا الَّذي انفرد به معمرٌ غلطٌ، فإنَّ في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل منه‏.‏

وفي لفظٍ لأحمد‏:‏ فقال‏:‏ ‏"‏أطعمونا ‏"‏، وفي لفظ له‏:‏ هذه العضد قد شويتها وأنضجتها وأطبتها‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فهاتها‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فجئته بها، فنهشها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حرامٌ حتَّى فرغ منها O‏.‏

مسألة ‏(‏424‏)‏‏:‏ شجر الحرم مضمونٌ، خلافًا لداود‏.‏

2168- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا يحيى بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن أبي كثير قال‏:‏ حدَّثني أبو سلمة قال‏:‏ حدَّثني أبو هريرة قال‏:‏ لمَّا فتح الله على رسوله مكَّة قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏إنَّ الله حبس عن مكَّة الفيل، وسلَّط عليها رسولَه والمؤمنين، وإنَّها لا تحلُّ لأحد من بعدي، وإنَّما أُحلَّت لي ساعةً من نهارٍ، لا يعضد شجرها، ولا ينفَّر صيدها‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2169- وأخرجاه من حديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏إنَّ هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السَّموات والأرض، وهو حرام بحرمة ‏[‏الله‏]‏ إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏425‏)‏‏:‏ صيد المدينة وشجرها محرَّمٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس بمحرمٍ‏.‏

2170- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه قال‏:‏ خطبنا عليٌّ عليه السَّلام فقال‏:‏ من زعم أنَّ عندنا شيئًا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصَّحيفة- صحيفةٌ فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات- فقد كذب‏.‏

قال‏:‏ وفيها‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏المدينة حرمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثورٍ، فمن أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفًا، وذمة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم‏"‏‏.‏

2171- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا معمر عن الزُّهريِّ عن ابن المسيَّب عن أبي هريرة قال‏:‏ حرَّم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بين لابتي المدينة‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ فلو وجدت الظِّباء ما بين لابتيها ما ذعرتها‏.‏

وجعل حول المدينة اثنى عشرميلاً حمًى‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2172- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا ابن نمير عن عثمان بن حَكيم قال‏:‏ أخبرني عامر بن سعدٍ عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إنِّي أُحرِّم ما بين لابتي المدينة، أن يقطع عِضاهُها أو يُقتل صيدها‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

2173- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن جعفر قال‏:‏ حدَّثني أنس بن عياض قال‏:‏ حدَّثني عبد الرَّحمن بن حرملة عن يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز أنَّ عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيَّ أخبره أنَّه كان يصيد العصافير في بئر إهاب، قال‏:‏ فرآني عبادة بن الصَّامت وقد أخذت العصفور، فنزعه منِّي فأرسله، ويقول‏:‏ أي بني إنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرَّم ما بين لابتيها كما حرَّم إبراهيم مكَّة‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في ‏"‏ السُّنن‏"‏، وقد رواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن أنس بن عياض‏.‏

ورواه عبد الله بن أحمد عن محمَّد بن عبَّاد المكيِّ وأبي مروان العثمانيِّ كلاهما عن أبي ضمرة، وفيه‏:‏ أنَّه كان يصيد العصافير في بئر أبي إهاب‏.‏

ورواه الطَّبرانيُّ عن موسى بن هارون ‏[‏عن إبراهيم بن المنذر الحزاميِّ عن أنس، ذكره في ترجمة عباد بن الصامت‏]‏، وفي ترجمة عبادة الزُّرقيِّ، وقد روى عن عليِّ بن المدينيِّ أنَّه قال‏:‏ هو عبادة بن الصَّامت‏.‏

وكذا هو في رواية الإمام أحمد عنه‏.‏

وعبد الله بن عبَّاد‏:‏ ذكره ابن أبي حاتم في ‏"‏ كتابه ‏"‏ فقال‏:‏ عبد الله بن عبَّاد الزُّرقيُّ الأنصاريُّ، روى عن عبادة- رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، روى عنه يعلى بن عبد الرَّحمن بن هرمز، سمعت أبي يقول ذلك‏.‏

ولم يذكر يعلى بن عبد الرَّحمن في حرف الياء، إنما قال‏:‏ يعلى بن مسلم بن هرمز، روى عنه عبد الرَّحمن بن حرملة الأسلميُّ، سمعت أبي يقول ذلك‏.‏

لم يزد، ويعلى بن مسلم بن هرمز ثقة مشهورٌ، مخرَّجٌ له في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏، والله أعلم O‏.‏

2174- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا حسين بن محمَّد ثنا الفضيل بن سليمان ثنا محمَّد بن أبي يحيى عن عبيد الله بن حبيش الغفاريِّ عن عبد الله بن سلام قال‏:‏ ما بين كذا وأحد حرامٌ حرَّمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما كنت لأقطع به شجرةً، ولا أقتل به طائرًا‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وقد رأيت في النُّسخة الَّتي نقلت منها مضبوطًا‏:‏ ‏(‏ما بين كدى وأحد حرامٌ‏)‏، والصَّواب‏:‏ ‏(‏ما بين كذا وأحد‏)‏، وبعض النَّاس يكتب ‏(‏كذا‏)‏ بالياء، فقد روى الطَّبرانيُّ هذا الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏ما بين عَيْرٍ وأحدٍ حرامٌ‏)‏، لكن قال في إسناده‏:‏ ‏(‏عبد الله ابن حبيش‏)‏، والصَّواب‏:‏ ‏(‏عبيد الله‏)‏، والَّذي في ‏"‏ المسند ‏"‏ و الطَّبراني‏:‏ ‏(‏حبيش‏)‏ بالحاء المهملة، وذكره ابن أبي حاتم بالخاء المعجمة، فقال‏:‏ عبد الله بن خنيس، روى عن عبد الله بن سلام، روى عنه محمَّد ابن أبي يحيى، سمعت أبي يقول ذلك O‏.‏

مسألة ‏(‏426‏)‏‏:‏ ويضمن صيد المدينة بالجزاء‏.‏

وعنه‏:‏ لا جزاء فيه، كقول مالك‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالقولين‏.‏

والجزاء مقدرٌ بالسَّلَب يتملَّكه الآخذ له‏.‏

وعن الشَّافعيِّ قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ كقولنا، والثَّاني‏:‏ يتصدَّق بالسَّلَب على فقراء المدينة‏.‏

2175- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو عامر ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمَّد بن سعدٍ عن عامر بن سعدٍ أنَّ سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد غلامًا يَخْبِطُ شجرًا- أو يقطعه- فسلبه، فلمَّا رجع سعدٌ جاءه أهلُ الغلام فكلَّموه أَن يردَّ ما أخذ من غلامهم، فقال‏:‏ معاذ الله أن أردَّ شيئَا نفَّلنيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فأبى أن يردَّه عليهم‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

مسألة ‏(‏427‏)‏‏:‏ مكَّة أفضل البلاد

وعنه‏:‏ المدينة، كقول مالك‏.‏

2176- قال المؤلِّّّف‏:‏ أخبرنا ابن عبد الواحد أنا الحسن بن عليٍّ ثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي ‏(‏ح‏)‏ وأخبرنا عبد الوهَّاب بن المبارك ويحيى بن عليٍّ قالا‏:‏ أنا أبو محمَّد الصَّرِيفيني أنا أبو بكر ابن عبدان ثنا عبد الواحد بن المهتدي بالله ثنا أيُّوب بن سليمان الصُّغْديُّ، قالا‏:‏ ثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزُّهريِّ أنا أبو سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّ عبد الله بن عَدِيٍّ ابن الحمراء أخبره أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول- وهو واقفٌ بالحَزْوَرَة في سوق مكَّة-‏:‏ ‏"‏والله إنَّكِ لخير أرض الله، وأحبُّ بلاد الله إلى الله عزَّ وبئ، ولولا أنِّي أُخرجت منكِ ما خرجتُ‏"‏‏.‏

2177- أخبرنا يحيى بن عليٍّ أنا جابر بن ياسين وعبد العزيز بن عليٍّ قالا‏:‏ أنا المخلص ثنا ابن صاعد ثنا ابن أبي بزَّة ثنا مؤمَّل بن إسماعيل ثنا حمَّاد بن سلمة ثنا ثابت ثنا عبد الله بن رباح الأنصاريُّ عن أبي هريرة- في حديثٍ ذكره- قال‏:‏ فلمَّا قدمنا مكَّة أتته الأنصار، فجلسوا حوله- يعني‏:‏ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجعل يقلِّب بصره في نواحي مكَّة، وينظر إليها ويقول‏:‏ ‏"‏والله لقد عرفت أنَّكِ أحبُّ البلاد إلى الله، وأكرمها على الله، ولولا أنَّ قومي أخرجوني ما خرجتُ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء‏:‏ رواه التِّرمذيُّ عن قتيبة عن الليث عن عُقيل عن الزُّهريِّ، وقال‏:‏ حسنٌ صحيحٌ، وقد رواه يونس عن الزُّهريِّ، ورواه محمَّد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وحديث الزُّهريِّ عندي أصحُّ‏.‏

ورواه النَّسائيُّ عن قتيبة به، وعن إسحاق بن منصور عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح عن ابن شهابٍ الزُّهريِّ نحوه‏.‏

ورواه ابن ماجة عن عيسى بن حمَّاد زُغْبَة عن الليث به‏.‏

ورواه أبو حاتم البستيُّ في كتاب ‏"‏ الأنول والتقاسيم ‏"‏ عن محمَّد بن الحسن بن قتيبة العسقلانيِّ عن عيسى بن حمَّاد‏.‏

ورواه الإمام أحمد أيضًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ به‏.‏

وقد رواه النَّسائيُّ من حديث معمر عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وكأنَّ ذلك وهمٌ من معمر‏.‏

2178- وقال الطَّبرانيُّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن خليد- يعني‏:‏ الحلبيَّ- ثنا الحميديُّ َثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ عن محمَّد بن عبد الله ابن أخي الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد بن جُبير بن مُطعِم عن عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء قال‏:‏ وقف رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الحَزْوَرَة فقال‏:‏ ‏"‏والله إنِّي لأعلم أنَّك خيرُ أرض الله، وأحبُّ ‏[‏أرض‏]‏ الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجت منك ما خرجتُ‏"‏‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ذكر أحاديث رجالٍ من الصَّحابة رووا عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رويت ‏[‏أحاديثهم‏]‏ من وجوهٍ صحاحٍ لا مطعن في ناقلها، ولم يخرجا من أحاديثهم شيئًا- يعني‏:‏ البخاريُّ ومسلمًا- فيلزم إخراجها على مذهبهم‏.‏

فذكر جماعة منهم‏:‏ عبد الله بن عَدِيِّ بن الحمراء الزُّهريَّ، روى عنه أبو سلمة ابن عبد الرحمن ومحمَّد بن جبير بن مطعم، قاله الزهريَّ عنهما‏.‏

وحديث ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة‏:‏ رواه مسلمٌ من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت، ومن حديث يحيى بن حسَّان عن حمَّاد ابن سلمة عن ثابت، وذكر فيه فتح مكَّة، وليس فيه ما ذكره المؤلِّف من تفضيل مكَّة‏.‏

ومؤمَّل بن إسماعيل‏:‏ تكلَّم فيه بعض الأئمة، وهو صدوقٌ كثير الخطأ‏.‏

وابن أبي بَزَّة هو‏:‏ أحمد بن محمَّد بن عبد الله، أبو الحسن البزِّيُّ، من ولد القاسم بن أبي بَزَّة، المكيِّ، المقرئ، وقد ضعَّفه أبو حاتم الرَّازيُّ وقال‏:‏ لا أحدِّث عنه‏.‏

وقال العقيليُّ‏:‏ منكر الحديث O‏.‏

مسألة ‏(‏428‏)‏‏:‏ لا تكره المجاورة بمكَّة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ تكره‏.‏

2179- حدَّثنا يحيى بن إبراهيم السَّلَمَاسِيُّ قال‏:‏ قرأت على أبي، قلت له‏:‏ أخبركم أبو نصر أحمد بن محمَّد القارئ ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله البزَّاز‏.‏

ثنا النَّقَّاش ثنا أحمد بن فيَّاض ثنا أبو محمَّد أخو الإمام ثنا عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو بكر النَقَّاش‏:‏ فحسبت ذلك على هذه الرِّواية فبلغت صلاةٌ واحدةٌ في المسجد الحرام عمر

خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلةً، وصلاة يوم وليلةٍ في المسجد الحرام- وهي خمس صلوات- عمر مائتي سنة وسبع وسبعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليالٍ‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ مظلمٌ، وأبو بكر النَّقَّاش اتَّهمه بعض الأئمة، وله غير حديث منكر، وإيراد المصنِّف هذا الحديث من طريقه بهذا الإسناد المظلم فيه تقصيرٌ كثير، مع كونه في ‏"‏ مسند الإمام أحمد ‏"‏ بإسنادٍ صحيحٍ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن عمرو‏)‏ خطأٌ، وإنَّما هو ‏(‏عبيد الله بن عمرو‏)‏ وليس الغلط في هذا من النُّسخة، فإنِّي كذلك وجدته في نسختين صحيحتين، على إحداهما خطُّ المؤلف‏.‏

وأبو محمَّد أخو الإمام هو‏:‏ عبد الرَّحمن بن عبيد الله بن حكيم الأسديُّ الحلبيُّ، وهو مشهورٌ بـ ‏(‏ابن أخي الإمام‏)‏، ويقال له‏:‏ ‏(‏أخو الإمام‏)‏ أيضًا، وهو ثقةٌ، روى عنه أبو داود والنَّسائيُّ، ولهم شيخان آخران كلُّ منهما يقال له‏:‏ ‏(‏ابن أخي الإمام‏)‏، واسم كلٍّ منهما عبد الرَّحمن بن عُبيد الله، لكن هذا هو الأكبر، والله أعلم‏.‏

2180- قال الإمام أحمد في ‏"‏ مسنده ‏"‏‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عبد الملك ثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاةٍ فيما سواه‏"‏‏.‏

2181- حدَّثنا حسين- يعني‏:‏ ابن محمَّد- وعبد الجبَّار بن محمَّد الخطَّابيُّ قالا‏:‏ ثنا عبيد الله- يعني‏:‏ ابن عمرو الرَّقِّيُّ- عن عبد الكريم عن عطاء عن جابرٍ قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاةٍ‏"‏‏.‏

وقال حسين‏:‏ ‏"‏فيما سواه‏"‏‏.‏

كذا رأيته في عدَّة نسخ ‏(‏أفضل من مائة صلاةٍ‏)‏ وهو صحيحٌ، ومعناه‏:‏ أفضل من مائة صلاةٍ في مسجدي، لتوافق اللَّفظ الأوَّل‏.‏

وقول حسين‏:‏ ‏(‏فيما سواه‏)‏ ‏[‏فيه‏]‏ نظر‏.‏

وقد روى هذا الحديث ابن ماجة عن إسماعيل بن أسد عن زكريا بن عَدِيٍّ عن عبيد الله بن عمرو، وهو حديثٌ صحيحٌ‏.‏

وعبد الكريم هو‏:‏ ابن مالكٍ الجزريُّ، أحد الثِّقات O‏.‏

مسائل الطَّواف

مسألة ‏(‏429‏)‏‏:‏ السُّنَّة أن يستلم الرُّكن اليماني في طوافه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس بمسنونٍ‏.‏

2182- قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرَّزَّاق أنا سفيان ومعمر عن ابن خُثَيْم عن أبي الطُّفيل قال‏:‏ كنت مع ابنِ عبَّاس ومعاويةُ لا يمرُّ بركنٍ إلا استلمه، فقال له ابن عبَّاس‏:‏ إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم بستلم إلا الحجر الأسود والرُّكن اليماني‏.‏

قال معاوية‏:‏ ليس شيءٌ من البيت مهجورًا‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلمٌ مختصرًا من غير حديث ابن خثيم، فقال‏:‏ 2183- حدَّثني أبو الطَّاهر أنا ابن وهبٍ أخبرني عمرو بن الحارث أنَّ قتادة بن دعامة حدَّثه أنَّ أبا الطُّفيل البكريَّ حدَّثه أنَّه سمع ابن عبَّاس يقول‏:‏ لم أر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلم غير الرُّكنين اليمانيين O‏.‏

2184- وقال مسلمٌ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا خالد بن الحارث عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله أنَّ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يستلم إلا الحجر والرُّكن اليماني‏.‏

2185- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا إسحاق بن محمَّد بن الفضل ثنا عليُّ ابن شعيب ثنا عبد الله بن نُمير ثنا حجَّاج عن عطاء وابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل مكَّة استلم الرُّكن الأسود والرُّكن اليماني، ولم يستلم غيرهما من الأركان‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وشيخ الدَّارَقُطْنِيُّ صدوقٌ، وعليُّ بن شعيب ثقةٌ، وحجَّاج هو‏:‏ ابن أرطاة، وقد سبق القول فيه غير مرَّةٍ، والله أعلم O‏.‏

2186- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا ابن مخلد ثنا الرَّماديُّ ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا إسرائيل عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان رسول‏.‏

الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبِّل الرُّكن اليماني، ويضع خدَّه عليه‏.‏

ز‏:‏ لم يخرِّجوا هذا الحديث أيضًا، وعبد الله بن مسلم بن هرمز‏:‏ ضعَّفه أحمد ويحيى وغيرهما‏.‏

2187- وقد روى البيهقيُّ هذا الحديث من روايته عن مجاهد عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استلم الرُّكن اليماني قبَّله، ووضع خدَّه الأيمن عليه‏.‏

وقال‏:‏ تفرَّد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيفٌ‏.‏

قال‏:‏ والأخبار عن ابن عبَّاس في تقبيل الحجر الأسود والسُّجود عليه، إلا أن يكون أراد بالرُّكن اليماني الحجرَ الأسود، فإنَّه يسمَّى بذلك فيكون موافقًا لغيره، والله أعلم‏.‏

وقد رواه ابن عَدِيٍّ من رواية أبي إسماعيل المؤدِّب عنه، ثُمَّ قال‏:‏ ولعبد الله بن مسلم أحاديث ليست بالكثيرة، وأحاديثه مقدار ما يرويه لا يتابع عليه O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2188- بما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا ابن جريج قال‏:‏ أخبرني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن بابيه عن بعض بني يعلى بن أُميَّة عن يعلى بن أُميَّة قال‏:‏ كنت مع عمر فاستلم الرُّكن‏.‏

قال يعلى‏:‏ وكنت ممَّا يلي البيت، فلمَّا بلغت الرُّكن الغربي الَّذي يلي الأسود مررت بين يديه لأستلم، فقال‏:‏ ما شأنك‏؟‏ قلت‏:‏ ألا تستلم هذين‏؟‏ قال‏:‏ ألم تطف مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ أرأيته يستلم هذين الرُّكنين- يعني الغربيين-‏؟‏ قلت‏:‏ لا‏.‏

قال‏:‏ أفليس لك فيه أسوةٌ‏؟‏ قلت‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ فانفذ عنك‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وفي صحَّته نظرٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏430‏)‏‏:‏ يسنُّ تقبيل ما يُستلم به الحجر‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يسنُّ‏.‏

2189- قال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا سليمان بن داود ثنا معروف بن خَرْبُوْذَ قال‏:‏ سمعت أبا الطُّفيل يقول‏:‏ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بالبيت، ويستلم الرُّكن بمحجنٍ معه، ويقبِّل المحجن‏.‏

2190- قال مسلمٌ‏:‏ وحدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله عن نافع قال‏:‏ رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثُمَّ قَبَّل يده، وقال‏:‏ ما تركتُه منذ رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعلُه‏.‏

مسألة ‏(‏431‏)‏‏:‏ لا يصحُّ طواف المحدث والنَّجس‏.‏

وعنه‏:‏ يصحُّ، ويلزمه دمٌ، كقول أبي حنيفة‏.‏

2191- قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا جريرٌ عن عطاء بن السَّائب عن طاوس عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏الطَّواف حول البيت مثل الصَّلاة، إلا أنَّكم تتكلَّمون فيه، فمن تكلَّم فيه فلا يتكلَّمنَّ إلا بخيرٍ‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السَّائب‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ اختلط عطاء في آخر عمره، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ جرير أخذ عن عطاء في أواخر عمره، وقد تابعه غيره‏:‏ فرواه سمويه عن عبد الله بن الزُّبير عن فضيل بن عياض عن عطاء مرفوعًا بنحوه؛ ورواه ابن حِبَّان عن الحسن بن سفيان عن محمَّد بن أبي السَّريِّ عن فضيل؛ ورواه النَّسائيُّ عن يوسف بن سعيد عن حجَّاج بن محمَّد، ‏[‏و‏]‏ عن الحارث بن مسكين عن ابن وهب، جميعًا عن ابن جريج عن الحسن بن ‏[‏‏]‏ مسلم عن طاوس عن رجلٍ أدرك النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه، ولم يسمِّ ابن عبَّاس‏.‏

ورواه موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عبَّاس مرفوعًا‏.‏

2192- وقال إسماعيل بن عبد الله سمويه‏:‏ ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عبَّاس- لا أعلمه ‏[‏إلا‏]‏ رفعه- قال‏:‏ الطَّواف بالبيت صلاةٌ، فأقلُّوا فيه الكلام O‏.‏

وقد احتجَّ أصحابنا بحديثين في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ روتهما عائشة‏:‏ 2193- أحدهما‏:‏ أنَّها حاضت، فقال لها النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏"‏ اقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتَّى تطهري‏"‏‏.‏

2194- والثَّاني‏:‏ أنَّ صفيَّة حاضت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أكنت أففمت يوم النَّحر- يعني الطَّواف-‏؟‏ ‏"‏ قالت‏:‏ نم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏فانفري إذًا‏"‏‏.‏

قالوا‏:‏ فمنع من الطَّواف لعدم الطَّهارة‏.‏

فقال الخصم‏:‏ إنَّما قال ذلك لأجل دخول المسجد‏.‏

قلنا‏:‏ المنقول‏:‏ حكمٌ وسببٌ، وظاهر الأمر يعلِّق الحكم بالسَّبب، فلمَّا تعرَّض للطَّواف- لا للمسجد- دلَّ على أنَّه هو المقصود بالحكم‏.‏

مسألة ‏(‏432‏)‏‏:‏ إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه، خلافًا لأبي حنيفة‏.‏

2195- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن علقمة عن أمِّه عن عائشة قالت‏:‏ كنت أحبُّ أن أدخل البيت وأصلِّي فيه، فأخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي وأدخلني الحجر، فقال لي‏:‏ ‏"‏صلِّي في الحجر إذا أردت دخول البيت، فإنَّما هو قطعةٌ من البيت، ولكنَّ قومك استقصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه من البيت‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ، وعلقمة هو‏:‏ ابن بلال‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود عن القَعنبيِّ، والتِّرمذيُّ عن قتيبة، والنَّسائيُّ عن إسحاق بن ابراهيم، ثلاثتهم عن الدَّراورديِّ به‏.‏

وعلقمة هو‏:‏ ابن أبي علقمة، من رجال ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏، واسم أمِّه‏:‏ مرجانة، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏433‏)‏‏:‏ لا تكره القراءة في الطَّواف‏.‏

وعنه تكره، كقول مالك‏.‏

2196- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال‏:‏ أخبرني يحيى بن عبيد مولى السَّائب عن أبيه عن عبد الله بن السَّائب قال‏:‏ سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول بين الرُّكن اليماني والحَجَر‏:‏ ‏"‏ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنة، ‏[‏وفي الآخرة حسنة‏]‏، وقنا عذاب النَّار‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنَّسائيُّ من رواية ابن جريج‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ وقال عبد الرَّزَّاق وابن بكر وروح في هذا الحديث‏:‏ أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيما بين ركن بني جمح والرُّكن الأسود‏:‏ ‏"‏ربَّنا آتنا

‏"‏‏.‏

ويحيى بن عبيد‏:‏ وثَّقه النَّسائيُّ وابنُ حِبَّان، وأبوه‏:‏ وثَّقه ابن حِبَّان، وكلاهما ليس بذاك المشهور O‏.‏

2197- وقال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا عبد الرَّزَّاق بن زياد ثنا شُعبة عن عاصم بن بَهْدَلة قال‏:‏ ثنا حبيب بن صُهْبَان قال‏:‏ رأيت عمر بن الخطَّاب وهو يطوف بالبيت وما هجيراه إلا أن يقول‏:‏ ربَّنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار‏.‏

ز‏:‏ حبيب بن صُهبان هو‏:‏ أبو مالك الكوفيُّ الكاهليُّ، روى عنه الأعمش وغيره، وشهد فتح المدائن، محلُّه الصَّدق‏.‏

وعبد الرَّحمن بن زياد هو‏:‏ الرَّصاصيُّ، قال أبو حاتم‏:‏ صدوقٌ‏.‏

وقال أبو زرعة‏:‏ لا بأس به O‏.‏

مسألة ‏(‏434‏)‏‏:‏ لا يكره تلفيق الأسابيع‏.‏

وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ‏:‏ يكره‏.‏

وصفة التَّلفيق‏:‏ أن يؤخِّر ركعتي الطَّواف حتَّى إذا فرغ صلَّى لكل أسبوع ركعتين‏.‏

2198- قال سعيد بن منصور‏:‏ ثنا سفيان قال‏:‏ حدَّثني محمَّد بن السَّائب بن بركة عن أمِّه أنَّها طافت مع عائشة عليها السَّلام ثلاثة أسابيع لا تفصل بينهنَّ، ثُمَّ صلَّت لكلِّ أسبوع ركعتين‏.‏

‏[‏وقد روى أصحابنا أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل مثل هذا‏]‏‏.‏

2199- وقد روى عبد الرَّحمن بن أبي حاتم في ‏"‏ سننه ‏"‏‏:‏ عن عيسى ابن يونس عن عبد السَّلام بن أبي الجنوب عن الزُّهريِّ عن سالم عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن ثلاثة أطواف ليس بينهما صلاة‏.‏

قال عبد الرَّحمن‏:‏ هو حديثٌ منكرٌ، وعبد السَّلام ضعيفٌ‏.‏

2200- وقد رواه عبد السَّلام عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال‏:‏ طاف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبيت ثلاثة أسباع جميعًا، ثُمَّ أتى المقام فصلَّى خلفه ستَّ ركعات‏.‏

قال أبو هريرة‏:‏ إنَّما أراد أن يعلِّمنا‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد قال عليٌّ والدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ عبد السَّلام منكر الحديث‏.‏

وقال أبو حاتم الرَّازيُّ‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏

وقال ابن حِبَّان‏:‏ يروي عن الثِّقات ما لا يشبه حديث الأثبات‏.‏

قلنا‏:‏ لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه‏.‏

ز‏:‏ محمَّد بن السَّائب بن بركة‏:‏ حجازيٌّ يُعَدُّ في المكيين، وثَّقه ابن معين وأبو داود والنَّسائيُّ وابن حِبَّان‏.‏

وعبد السَّلام بن أبي الجنوب‏:‏ مجمعٌ على ضعفه، وحديثه هذا من الوجهين غير مخرَّجٍ في شيءٍ من السُّنن‏.‏

وقول المؤلِّف‏:‏ ‏(‏قلنا‏:‏ لا نقبل الطَّعن حتَّى يبيّن سببه‏)‏ خطأٌ في هذا المكان، فإنَّ الجرح إنَّما يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديلٌ، مع أنَّ رواية عبد السَّلام هذا الحديث عن الزُّهريِّ متفرِّدًا به بهذين الإسنادين النَّظيفين من أقوى الأدلة على ضعفه عند أهل هذا الشَّأن، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏435‏)‏‏:‏ السَّعي ركنٌ لا ينوب عنه الدَّم‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّه سنَّةٌ، لا يجب بتركه دمٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ هو واجبٌ ينوب عنه الدَّم‏.‏

2201- قال الإمام أحمد‏:‏ ثنا ‏[‏سريج‏]‏ ثنا عبد الله بن المؤمَّل عن عطاء بن أبي رباح عن صفيَّة بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تَجْرَاة قالت‏:‏ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطوف بين الصَّفا والمروة، والنَّاس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى حتَّى أرى ركبتيه من شدَّة السَّعي يدور به إزاره، ويقول‏:‏ ‏"‏اسعوا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ كتب عليكم السَّعي‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد قال أبو بكر بن المنذر‏:‏ مداره على ابن مؤمَّل‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:‏ أحاديث عبد الله بن المؤمَّل مناكير‏.‏

وقال يحيى‏:‏ ضعيف الحديث‏.‏

قلنا‏:‏ قد قال يحيى في روايةٍ‏:‏ ليس به بأسٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وفي إسناده اختلافٌ O‏.‏

2202- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عيسى النَّيسابوريُّ أنا عبد الله بن المبارك قال‏:‏ أخبرني معروف بن مُشْكَان قال‏:‏ أخبرني منصور بن عبد الرَّحمن عن أمِّه صفيَّة قالت‏:‏ أخبرتني نسوةٌ من بني عبد الدَّار اللاتي أدركن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلن‏:‏ دخلن دار ابن أبي حسين، فاطَّلعنا من بابٍ، فرأينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشتدُّ في السَّعي حتَّى إذا بلغ زقاق بني فلان، استقبل النَّاس، فقال‏:‏ ‏"‏يا أيُّها النَّاس، اسعوا، فإنَّ السَّعي قد كتب عليكم‏"‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ قد قال أبو حاتم الرَّازيُّ‏:‏ لا يحتجُّ بمنصور بن عبد الرَّحمن‏.‏

قلنا‏:‏ قد قال يحيى بن معين‏:‏ هو ثقةٌ‏.‏

ز‏:‏ إسناد هذا الحديث صحيحٌ وإن كان غير مخرَّجٍ في ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

ومعروف بن مُشْكَان‏:‏ باني كعبة الرَّحمن، صدوقٌ، لا نعلم أحدًا تكلَّم فيه‏.‏

ومنصور بن عبد الرَّحمن هذا‏:‏ ثقةٌ، مخرَّجٌ له في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏، ولم يتكلَّم فيه أبو حاتم، بل قال فيه‏:‏ صالح الحديث‏.‏

وكلامه هذا الَّذي ذكره المؤلِّف إنَّما هو في منصور بن عبد الرَّحمن الغُدَانيِّ الأشلِّ، مع أنَّه من رجال مسلم، ولفظ أبي حاتم فيه‏:‏ ليس بالقويِّ، يكتب حديثه ولا يحتجُّ به‏.‏

والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏436‏)‏‏:‏ يجزى القارن طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ‏.‏

وعنه‏:‏ يحتاج إلى طوافين وسعيين، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا تسعة أحاديث‏:‏ 2203- الحديث الأوَّل‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنَّه أراد الحجَّ عام نزل الحَجَّاج بابنِ الزُّبير، فقيل له‏:‏ إنَّ النَّاس كائنٌ بينهم قتالٌ، وإنَّا نخاف أن يصدُّوك‏؟‏ فقال‏:‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، إذًا أصنع كما صنع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنِّي أُشهدكم أنِّي قد أوجبت عمرةً، ثُمَّ خرج حتَّى إذا كان بظاهر البيداء، قال‏:‏ ‏"‏ما شأن الحجِّ والعمرة إلا واحدٌ، أُشهدكم أنِّي قد أوجبت حجًّا مع عمرتي‏"‏‏.‏

وأهدى هديًا اشتراه بقُدَيْدٍ، فلم ينحر ولم يحلَّ من شيءٍ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصِّر، حتَّى كان يوم النَّحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طوافَ الحجِّ والعمرة بطوافه الأوَّل‏.‏

وقال ابن عمر‏:‏ كذلك فعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2204- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أحمد بن عبد الملك حدَّثنا الدَّراورديُّ عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من فرن بين حجِّه وعمرته، أجزأه لهما طوافٌ واحدٌ‏"‏‏.‏

2205- طريقٌ آخر‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا خلاد بن أسلم ثنا عبد العزيز بن محمَّد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من أحرم بالحجِّ والعمرة أجزأه طوافٌ وسعيٌ واحدٌ منهما حتَّى يحلَّ منهما جميعًا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن محرز بن سلمة العدنيِّ عن الدَّراورديِّ‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير‏.‏

وقال مسلمٌ- بعد ذكر حديث نزول الحجَّاج بابن الزُّبير من رواية عبيد الله عن نافع-‏:‏ حدَّثناه ابن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله عن نافع قال‏:‏ أراد ابنُ عمر الحجَّ حين نزل الحجَّاج بابن الزُّبير

- واقتصَّ الحديث بمثل هذه القصَّة، وقال في آخر الحديث‏:‏- وكان يقول‏:‏ من جمع بين الحجِّ والعمرة كفاه طوافٌ واحدٌ، ولم يحلَّ حتَّى يحلَّ منهما جميعًا O‏.‏

2206- الحديث الثَّالث‏:‏ قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّة الوداع وأهللنا بعُمرةٍ، ثُمَّ قال‏:‏ ‏"‏من كان معه هديٌ فليهلَّ بالحجَّ والعمرة، ثُمَّ لا يحلُّ حتَّى يحلَّ منهما، فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة ثُمَّ حلُّوا، ثُمَّ طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منًى، وأمَّا الَّذين جمعوا بين الحجِّ والعمرة، فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

2207- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمَّد بن عبد الله الزُّهيريُّ ثنا داود بن مهران ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها‏:‏ ‏"‏إنَّ طوافكِ بالبيت وبالصَّفا والمروة، كافيكِ بحجِّكِ وعمرتكِ‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يروه أحدٌ من أئمة ‏"‏ الكتب السِّتَّةِ ‏"‏ من رواية ابن جريج عن عطاء عن عائشة‏.‏

ومسلم بن خالد الزَّنْجيُّ‏:‏ لبس بالقويِّ‏.‏

وداود بن مهران‏:‏ أبو سليمان الدَّبَّاغ، وثَّّقه العجليُّ وغيره‏.‏

والزُّهيريُّ‏:‏ وثَّقه الدَّارقُطْنِيُّ، وكان من الصَّالحين‏.‏

2208- وقال مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏‏:‏ حدَّثني حسن بن عليٍّ الحُلوانيُّ ثنا زيد بن الحُبَاب حدَّثني إبراهيم بن نافعٍ حدَّثني عبد الله بن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ عن عائشة أنَّها حاضت بسَرِف، فتطهَّرت بعرفة، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏يجزئ عنك طوافكِ بالصَّفا والروة عن حجِّكِ وعمرتكِ‏"‏‏.‏

سماع مجاهد من عائشة مختلفٌ فيه، والله أعلم O‏.‏

2209- الحديث الخامس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن عبد الله بن مبشِّر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا إسحاق الأزرق عن الرَّبيع بن صَبيح عن عطاء ‏[‏عن‏]‏ جابرٍ قال‏:‏ ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، وسعيًا واحدًا لحجِّه وعمرته‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ الرَّبيع ضعيفٌ‏.‏

2210- طريقٌ آخر‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن أبي عمر ثنا أبو معاوية عن الحجَّاج عن أبي الزُّبير عن جابر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافًا واحدًا‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ الحجَّاج هو‏:‏ ابن أرطاة، وهو ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ حديث الرَّبيع عن عطاء غير مخرَّجٍ في ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

وحديث الحجَّاج انفرد به التِّرمذيُّ وحسَّنه‏.‏

2211- وقال مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏‏:‏ حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا يحيى ابن سعيد عن ابن جريج ‏(‏ح‏)‏، قال‏:‏ وحدَّثنا عَبدُ بن حُميدٍ أنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ لم يطف النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا‏.‏

وزاد في حديث محمَّد بن بكرٍ‏:‏ طوافه الأوَّل O‏.‏

2212- الحديث السَّادس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد بن إشْكاب ثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربيُّ ثنا أبي ثنا غيلان بن جامع قال‏:‏ حدَّثني ليث قال‏:‏ حدَّثني عطاء وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله، وعن ابن عمر، وعن ابن عبَّاس‏:‏ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطف هو وأصحابه بين الصَّفا والمروة إلا طوافًا واحدًا لعمرتهم وحجِّهم‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ ليث هو‏:‏ ابن أبي سليم، وهو ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه ابن ماجة عن محمَّد بن عبد الله بن نمير عن يحيى بن يعلى به‏.‏

وقال البَرقانيُّ‏:‏ سألته- يعني الدَّارَقُطْنِيُّ- عن ليث بن أبي سليم، فقال‏:‏ صاحب سنَّةٍ، يخرَّج حديثه‏.‏

ثُمَّ قال‏:‏ إنَّما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب O‏.‏

2213- الحديث السَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا عليُّ بن عبد الله ابن مبشِّر ثنا محمَّد بن حربٍ الواسطيُّ ثنا عليُّ بن عاصمٍ ثنا أبي عن حُصين ابن عبد الرَّحمن قال‏:‏ قال لي منصور‏:‏ حدَّثني أنتَ يا حُصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه طافوا لحجِّهم وعمرتهم طوافًا واحدًا‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ عليُّ بن عاصمٍ ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ كذا وجدُّته في نسختين صحيحتين‏:‏ ‏(‏ثنا عليُّ بن عاصم ثنا أبي‏)‏ وهو خطأٌ، والصَّواب‏:‏ ‏(‏ثنا عاصم بن عليٍّ ثنا أبي‏)‏‏.‏

وهذا الحديث غير مخرَّجٍ في شيءٍ من ‏"‏ السُّنن‏"‏، والله أعلم O‏.‏

2214- الحديث الثَّامن‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثني أحمد بن محمَّد بن زياد ثنا محمَّد بن غالب ثنا سعد بن عبد الحميد ثنا محمَّد بن مروان عن ابن أبي ليلى عن عطيَّة عن أبي سعيد أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما بالبيت طوافًا واحدًا، وبالصَّفا والمروة طوافًا واحدًا‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ ابن أبي ليلى ضعيفٌ، واسمه محمَّد بن عبد الرَّحمن‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجوه في ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

وعطيَّة بن سعد العوفيُّ‏:‏ أضعف من ابن أبي ليلى‏.‏

ومحمَّد بن مروان‏:‏ هو السُّدِّيُّ الصَّغير، وهو غير ثقةٍ‏.‏

وسعد بن عبد الحميد بن جعفر‏:‏ لا بأس به، والله أعلم O‏.‏

2215- الحديث التَّاسع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا البغويُّ ثنا داود ابن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافًا واحدًا لحجِّه وعمرته‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ عبد الملك هو‏:‏ ابن أبي سليمان، ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في ‏"‏ السُّنن‏"‏، لكن إسناده صحيحٌ، فإنَّ عبد الملك صدوقٌ، روى له مسلمٌ؛ ومنصور وثَّقه ابن معين وغيره، وهو شيعيُّ؛ وداود من شيوخ مسلمٍ؛ والله أعلم O‏.‏

احتجُّوا بخمسة أحاديث‏:‏ 2216- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ ثنا البغويُّ ثنا أبو الرَّبيع الزَّهرانيُّ ثنا حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ أنَّه جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهطا سعيين، ثُمَّ قال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل‏.‏

2217- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا محمَّد بن القاسم بن زكريا ثنا عبَّاد بن يعقوب ثنا عيسى بن عبد الله بن محمَّد بن عمر بن عَليٍّ قال‏:‏ حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه عن عليٍّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قارنًا، فطاف طوافين، وسعى سعيين‏.‏

2218- الحديث الثَّالث‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ثنا جعفر بن محمَّد بن مروان ثنا أبي ثنا عبد العزيز بن أبان ثنا أبو بُردة عن حمَّاد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال‏:‏ طاف رسول- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرته وحجَّته طوافن، وسعى سعيين، وأبو بكر وعمر وعليٌّ وابن مسعود‏.‏

2219- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا ابن صاعد ثنا محمَّد ابن يحيى الأَزْديُّ ثنا عبد الله بن داود عن شُعبة عن حمُيد بن هلال عن مُطرِّف عن عمران بن حُصين أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طوافين، وسعى سعيين‏.‏

2220- الحديث الخامس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا عبد الصَّمد بن عليٍّ ثنا الفضل بن العبَّاس الصَّوَّاف ثنا يحيى بن غيلان ثنا عبد الله بن بزيع عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر‏:‏ أنَّه جمع بين حجًةِ وعمرةٍ معًا، وقال‏:‏ سبيلهما واحدٌ‏.‏

قال‏:‏ وطاف لهما طوافين، وسعى بهما سعيين، وقال‏:‏ هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع كما صنعت‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّ هذه الأحاديث كلُّها لا تثبت‏:‏ أمَّا حديث عليٍّ عليه السَّلام‏:‏ ففي طريقه الأوَّل‏:‏ حفص بن أبي داود، قال أحمد ومسلم بن الحجَّاج‏:‏ حفص متروك الحديث‏.‏

وقال عبد الرَّحمن بن يوسف بن خراش‏:‏ هو كذَّابٌ يضع الحديث‏.‏

وفيه ابن أبي ليلى، واسمه‏:‏ محمَّد بن عبد الرَّحمن، قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هو ردىء الحفظ، كثير الوهم‏.‏

وفي الطَّريق الثَّاني‏:‏ عيسى بن عبد الله، قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏

وأمَّا حديث ابن مسعود‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ أبو بُردة هذا هو‏:‏ عمرو ابن يزيد ضعيفٌ، ومن دونه في الإسناد كلُّهم ضعفاء‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ قلت‏:‏ وفيه عبد العزيز بن أبان، قال يحيى‏:‏ هو كذَّابٌ خبيثٌ‏.‏

وقال الرَّازيُّ والنَّسائيُّ‏:‏ هو متروك الحديث‏.‏

وأمَّا حديث عمران‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ يقال‏:‏ إنَّ محمَّد بن يحيى حدَّث بهذا من حفطه فوهم، وقد حدَّث به على الصَّواب مرارًا؛ ويقال‏:‏ إنَّه رجع عن ذكر الطَّواف والسَّعي‏.‏

وأمَّا حديث ابن عمر‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ لم يروه عن الحكم غير الحسن ابن عمارة، وهو متروك الحديث‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ قلت‏:‏ قال شعبة‏:‏ كذَّابٌ يحدِّث بأحاديث قد وضعها‏.‏

وقال السَّاجيُّ‏:‏ أجمعوا على ترك حديثه‏.‏

ثُمَّ قد روى هو أيضًا من حديث ابن عبَّاس ضدَّ هذا‏:‏ 2221- فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول قال‏:‏ حدَّثني أبي ثنا إسحاق بن يوسف عن الحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن طاوس قال‏:‏ سمعت ابن عبَّاس يقول‏:‏ لا والله، ما طاف لهما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا طوافًا واحدًا، فهاتوا مَنْ هذا الَّذي يحدِّث أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف لهما طوافين‏؟‏‏!‏ ز‏:‏ هذه الأحاديث لم يخرِّج أحدٌ من أهل ‏"‏ السُّنن ‏"‏ منها شيئًا‏.‏

2222- وقد روى النَّسائيُّ في ‏"‏ مسند عليٍّ ‏"‏ من حديث إسرائيل عن حمَّاد بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ عن إبراهيم بن محمَّد بن الحنفيَّة قال‏:‏ طفت مع أبي وقد جمع بين الحجِّ والعمرة، فطاف لهما طوافين، وسعى لهما سعيين، وحدَّثني أنَّ عليًّا فعل ذلك، وحدَّثه أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذلك‏.‏

وحمَّاد ضعَّفه الأَزْديُّ، وذكره ابن حِبَّان في كتاب ‏"‏ الثِّقات‏"‏‏.‏

وقال بعض الحفَّاظ‏:‏ حمَّادٌ هذا مجهولٌ، وهذا الحديث لا يصحُّ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏437‏)‏‏:‏ طواف الوداع واجبٌ، يلزمه بتركه دمٌ، خلافًا لمالك وأحد قولي الشَّافعيِّ‏.‏

2223- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن سليمان عن طاوس ‏[‏عن ابن عبَّاس‏]‏ قال‏:‏ كان النَّاس ينصرفون في كلِّ وجهٍ، فقال النَّّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏لا ينفر أحدٌ حتَّى يكون آخر عهده بالبيت‏"‏‏.‏

2224- طريقٌ آخر‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو بكر بن زنجويه ثنا عبد الرَّزَّاق أنا زكريا بن إسحاق عن سليمان الأحول أنَّه سمع طاوسًا يحدِّث عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كان النَّاس ينفرون من منى إلى وجهتهم، فأمرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون آخر عهدهم بالبيت، ورخَّص للحائض‏.‏

ز‏:‏ حديث سفيان عن سليمان‏:‏ رواه مسلمٌ وأبو داود وابن ماجة من رواية غير واحدٍ عنه‏.‏

وحديث زكريا عن سليمان‏:‏ لم يخرجوه‏.‏

2225- وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديث ابن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال‏:‏ أُمر النَّاس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنَّه خُفِّف عن المرأة الحائض O‏.‏

2226- قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا أبو عمَّار ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ من حجَّ البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطَّواف، إلا الحُيَّض رخَّص لهنَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه النَّسائيُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن عيسى به O‏.‏

2227- قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا نصر بن عبد الرَّحمن الكوفيُّ ثنا المحاربيُّ عن الحجَّاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرَّحمن بن البيلمانيِّ عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال‏:‏ سمعتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول‏:‏ ‏"‏من حجَّ هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت‏"‏‏.‏

فقال له عمر‏:‏ خَرَرْتَ من يديك، سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تخبرنا به‏؟‏‏!‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ ضعيفٌ، وقد رواه هكذا غير واحدٍ عن الحجَّاج، وقد خولف في بعضه، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏438‏)‏‏:‏ فإن طاف ولم يعقبه الخروج لزمته الإعادة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يلزمه‏.‏

لنا‏:‏ الحديث المتقدِّم‏.‏

مسائل الوقوف

مسألة ‏(‏439‏)‏‏:‏ وقت الوقوف من طلوع الفجر الثَّاني من يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثَّاني من يوم النَّحر‏.‏

وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ‏:‏ أوَّل الوقت بعد الزَّوال من يوم عرفة‏.‏

وقال مالك‏:‏ وقت الإجزاء ليلة النَّحر فقط‏.‏

2228- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى عن إسماعيل قال‏:‏ ثنا عامر قال‏:‏ حدَّثني عروة بن مُضَرِّس قال‏:‏ جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالموقف، فقلت‏:‏ يا رسول الله، جئت من جبلٍ طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبلٍ إلا وقفت عليه، فهل لي من حجٍّ‏؟‏‏!‏ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من أدرك معنا هذه الصَّلاة- يعني صلاة الفجر-، وأتى عرفات قبل ذلك- ليلاً أو نهارًا- تمَّ حجُّه وقضى تفثَه‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أصحاب ‏"‏ السُّنن الأربعة ‏"‏ من غير وجهٍ عن الشَّعبيِّ‏.‏

وقال الحاكم‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط كافة أئمة الحديث، وهي قاعدة من قواعد الإسلام، وقد أمسك عن إخراجه الشَّيخان محمَّد بن إسماعيل ومسلم بن الحجَّاج رضي الله عنهما على أصلهما‏:‏ أنَّ عروة بن مضرِّس لم يحدِّث عنه غير عامر الشَّعبيّ، وقد وجدنا عروة بن الزُّبير حدَّث عنه‏.‏

ثُمَّ ذكر ذلك بإسنادٍ فيه رجلٌ غير معروفٍ وآخر متروك‏.‏

وقد روى أبو السُّكين الطَّائيُّ عن عمِّ أبيه زحر بن حصين عن جدِّه حميد بن مُنهبٍ عن عروة بن مضرِّس، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏440‏)‏‏:‏ إذا دفع من عرفات قبل غروب الشَّمس فعليه دمٌ، خلافًا لأحد قولي الشَّافعيِّ‏:‏ لا دم عليه‏.‏

2229- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزُّبير ثنا سفيان عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش عن زيد بن عليٍّ عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن عليِّ بن أبي طالب قال‏:‏ وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة، فأفاض حين غابت الشَّمس‏.‏

ز‏:‏ كذا وجدتُّه في نسختين‏:‏ ‏(‏عن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي عيَّاش‏)‏، وهو خطأٌ، إنَّما هو‏:‏ ‏(‏عبد الرَّحمن بن الحارث بن عبد الله بن عيَّاش بن أبي ربيعة‏)‏، وقد وثَّقه ابنُ سعدٍ وابن خزيمة وابن حِبَّان وغيرهم، وتكلَّم فيه الإمام أحمد، وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وزيد بن عليٍّ‏:‏ هو عمُّ جعفر بن محمَّد الصَّادق، ذكره ابن حِبَّان في ‏"‏ الثِّقات ‏"‏ وقال‏:‏ رأى جماعةً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وأبوه عليٌّ هو‏:‏ ابن الحسين زين العابدين‏.‏

وقد روى هذا الحديث التِّرمذيُّ عن بندار عن أبي أحمد، وقال‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، لا نعرفه من حديث عليٍّ إلا من هذا الوجه‏.‏

وقد سُئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فذكر الاختلاف فيه، ثُمَّ قال‏:‏ والقول قول الثَّوريِّ ومن تابعه، والله أعلم O‏.‏

2230- وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن ابن إسحاق قال‏:‏ حدَّثني إبراهيم بن عقبة عن كريب عن أسامة قال‏:‏ كنت رِدْفَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلمَّا وقعت الشَّمس دفع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ حسن، انفرد به أبو داود، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏441‏)‏‏:‏ يجوز الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز حتَّى يطلع الفجر‏.‏

2231- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول ثنا أبي ثنا ابن أبي فديك عن الضَّحَّاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‏:‏ أرسل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّ سلمة ليلة النَّحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثُمَّ مضت فأفاضت‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن ابن أبي فديك، وليس فيه دليلٌ على أنَّه يجوز لكلِّ أحدٍ في كلِّ حالٍ الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل، والله أعلم O‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2232- بما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا أبو داود عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف بجمع، فلمَّا أضاء كلُّ شيءٍ قبل أن تطلع الشَّمس أفاض‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ زمعة ضعيفٌ، كثير الغلط‏.‏

ز‏:‏ حديث زمعة هذا لم يخرَّج في ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

وزمعة‏:‏ روى له مسلمٌ مقرونًا بغيره، وقال ابن معين في روايةٍ عنه‏:‏ زمعة صويلح الحديث‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ ليس بالقويِّ‏.‏

وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ أرجو أنَّ حديثه صالحٌ، لا بأس به‏.‏

وقال الإمام أحمد في سلمة‏:‏ روى عنه زمعة أحاديث مناكير، أخشى أن يكون حديثه ضعيفًا‏.‏

ووثَّقه ابن معين وغيره‏.‏

ولو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه دليلٌ على عدم جواز الدَّفع حتَّى يطلع الفجر، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏442‏)‏‏:‏ فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دمٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا دم عليه‏.‏

وعن الشَّافعيِّ كالمذهبين لنا‏:‏ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات بمنى، وقال‏:‏ ‏"‏خذوا عنِّي مناسككم ‏"‏‏:‏ 2233- فروى أبو داود من حديث ابن عمر‏:‏ أنَّ رجلاً قال له‏:‏ إنَّا نبيت بمكَّة‏.‏

فقال‏:‏ أمَّا رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبات بمنى وظلَّ‏.‏

2234- ومن حديث عائشة قالت‏:‏ مكث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنى ليالي أيَّام التَّشريق‏.‏

ز‏:‏ هكذا احتجَّ المؤلِّف في هذه المسألة فيما وجدته في نسختين، وهذا الدَّليل الَّذي ذكره غير مطابقٍ للمسألة التي سطَّرها، وكأنَّه ‏[‏انتقل‏]‏ من مسألة المبيت بمزدلفة إلى مسألة المبيت بمنى، غير أنَّه قد ذكر ‏[‏مسألة‏]‏ المبيت بمنى فيما يأتي، والله أعلم O‏.‏

مسائل التَّحلل

مسألة ‏(‏443‏)‏‏:‏ يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النَّحر

وقال أبو حنيفة ومالكٌ‏:‏ لا يجوز حتَّى يطلع الفجر‏.‏

لنا‏:‏ ما تقدَّم من حديث أمِّ سلمة، و أنَّها دفعت للرمي قبل طلوع الفجر‏.‏

احتجُّوا‏:‏ 2235- بما رواه التِّرمذيُّ، قال‏:‏ حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن المسعوديِّ عن مِقْسم عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدَّم ضعفة أهله، وقال‏:‏ ‏"‏لا ترموا الجمرة حتَّى تطلع الشَّمس‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ كذا وجدته، وقد سقط بين المسعوديّ ومِقْسم رجلٌ، وهو الحكم ابن عُتيبة‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ قال شعبة‏:‏ لم يسمع الحكم من مِقْسم إلا خمسة أحاديث‏.‏

2236- وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن كثير أنا سفيان ثنا سلمة بن كُهيل عن الحسن العُرنيِّ عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قدَّمنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطَّلب على حُمُرات، فجعل يلْطَحُ أفخاذنا ويقول‏:‏ ‏"‏أَيْبُنيَّ، لا ترموا الجمرة حتَّى تطلُع الشَّمس‏"‏‏.‏

قال أبو داود‏:‏ اللطح‏:‏ الضَّرب اللين‏.‏

وروه النَّسائيُّ وابن ماجة من حديث سلمة‏.‏

والحسن العُرنيُّ‏:‏ لم يسمع من ابن عبَّاس‏.‏

قاله أحمد بن حنبل O‏.‏

مسألة ‏(‏444‏)‏‏:‏ لا يجوز الرَّمي إلا بالحجارة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز بجميع جنس الأرض‏.‏

2237- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا سفيان عن زياد بن سعد عن أبي الزُّبير عن أبي معبد عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏عليكم بمثل حصى الخذف‏"‏‏.‏

ز‏:‏ إسناد هذا الحديث صحيح، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من ‏"‏ الكتب السِّتَّة‏"‏، والله أعلم O‏.‏

2238- وقال أبو داود‏:‏ حدَّثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا عَبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمِّه قالت‏:‏ رأيتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند جمرة العقبة راكبًا، ورأيتُ بين أصابعه حجرًا، فرمى، ورمى النَّّاس‏.‏

‏[‏ز‏:‏‏]‏ هذا إسنادٌ صالحٌ‏.‏

2239- وقد روى مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ من حديث جابر بن عبد الله قال‏:‏ رأيت النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة بمثل حصى الخذف O‏.‏

مسألة ‏(‏445‏)‏‏:‏ ولا يرمى بحجرٍ قد رُمي به‏.‏

وقال كثرهم‏:‏ يجوز‏.‏

2240- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا الحسين بن إسماعيل ثنا سعيد بن يحيى الأمويُّ ثنا أبي ثنا يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أُنيسة عن عمرو بن مُرَّة عن ابنِ لأبي سعيد عن أبي سعيد قال‏:‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله، هذه الجمار التي يرمى بها كلَّ عامٍ فنحسب أنَّها تنقص‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏إنَّه ما تقبل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في شيء من ‏"‏ السُّنن‏"‏، وقد رواه الحاكم وصحَّحه‏.‏

وهو حديثٌ لا يثبت، فإنَّ أبا فروة يزيد بن سنان ضعَّفه الإمام أحمد والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرهما، وتركه النَّسائيُّ وغيره، وذكره الحاكم في كتاب ‏"‏ الضُّعفاء ‏"‏ أيضًا، وقال البيهقيُّ‏:‏ يزيد بن سنان ليس بالقويِّ في الحديث، وروي من وجهٍ آخر ضعيف عن ابن عمر مرفوعًا‏.‏

وابن أبي سعيد هو‏:‏ عبد الرَّحمن بن أبي سعيد، كذا جاء مصرحًا به في رواية الحاكم وغيره، وهو من الثِّقات O‏.‏

2241- وقال المؤلِّف‏:‏ أخبرنا ابن ناصر أنا ابن بيان أنا ابن شاذان ثنا أبو محمَّد بن الحكم الكُدَيْمِيُّ ثنا أبو عاصم عن عبيد الله بن هرمز عن سعيد بن جبير قال‏:‏ الحصى قربان، فما قبل منه رُفع، وما لم يقبل بقي‏.‏

ز‏:‏ كذا فيه ‏(‏عبيد الله بن هرمز‏)‏، وإنَّما هو ‏(‏عبد الله بن مسلم بن هرمز‏)‏، وهو ضعيفٌ‏.‏

والكُدَيْمِيُّ‏:‏ ساقطٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏446‏)‏‏:‏ إذا نكَّس الرَّمي، فرمى جمرة العقبة، ثُمَّ الوسطى، ثُمَّ الأولى، لم يجزه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجزئه‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى مرتِّبا، وقال‏:‏ ‏"‏خذوا عنِّي

‏"‏‏.‏

2242- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا طلحة بن يحيى ثنا يونس عن الزُّهريِّ عن سالم عن ابن عمر أنَّه كان يرمي الجمرة الدُّنيا بسبع حصيات، يكبِّر على إثر كلِّ حصاة، ثُمَّ يتقدَّم حتَّى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه، ثُمَّ يرمي الوسطى، ثُمَّ يأخذ بذات الشَّمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ويقوم طويلاً، ويدعو ويرفع يديه، ويقوم طويلاً، ثُمَّ يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثُمَّ ينصرف فيقول‏:‏ هكذا رأيت رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل‏.‏

مسألة ‏(‏447‏)‏‏:‏ في النَّفر الأوَّل خطبةٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ لا خطبة فيه‏.‏

لنا‏:‏ أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب في ثاني أيَّام التَّشريق، وقال‏:‏ ‏"‏خذوا عنِّي

‏"‏‏.‏

2243- قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن بشَّار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن قال‏:‏ حدَّثتني جدَّتي سَرَّاء بنت نبهان قالت‏:‏ خطبنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الرُّؤوس، فقال‏:‏ ‏"‏أيُّ يوم هذا‏؟‏ ‏"‏ قلنا‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏أليس أوسط أيَّام التشريق‏؟‏‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كذا وجدته في نسختين‏:‏ ‏(‏ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن‏)‏ وهو غلطٌ، والصَّواب‏:‏ ‏(‏ربيعة بن عبد الرَّحمن بن حصن‏)‏ وهو الغنويُّ، ذكره ابن حِبَّان في ‏"‏ الثِّقات‏"‏‏.‏

وقد روى هذا الحديث أيضًا‏:‏ البخاريُّ في كتاب ‏"‏ أفعال العباد ‏"‏، وأبو القاسم الطَّبرانيُّ، وإسناده صالحٌ، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏448‏)‏‏:‏ إذا ترك المبيت بمنى ليالي منى، لزمه دمٌ‏.‏

وعنه‏:‏ لا دم عليه، كقول أبي حنيفة‏.‏

2244- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن عبد الله بن نُمير ثنا أبي ثنا عبيد الله قال‏:‏ حدَّثني نافع عن ابن عمر أنَّ العبَّاس استأذن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليبيت بمكَّة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له‏.‏

فوجه الحجَّة‏:‏ أنَّه لولا أنَّه واجبٌ لم يحتج إلى إذن‏.‏

وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يبيت بمنى‏.‏

ز‏:‏ حديث ابن عمر‏:‏ رواه مسلمٌ أيضًا عن ابن نُميرٍ وغيره O‏.‏

مسألة ‏(‏449‏)‏‏:‏ لا يجزئه في التَّحلُّل حلق بعض الرَّأس‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجزئه ما يجزئ مسحه في الطَّهارة‏.‏

2245- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا روح ثنا هشام عن محمَّد بن سيرين عن أنسٍ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رمى الجمرة، ثُمَّ نحر البُدن، ثُمَّ حلق أحد شقَّيه ‏(‏الأيمن‏)‏، وقسمه بين النَّاس فأخذوه، وحلق الآخر فأعطاه أبا طلحة‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

مسائل الإحصار

مسألة ‏(‏450‏)‏‏:‏ يجب على المحصر إذا ذبح أن يحلق‏.‏

وعنه‏:‏ لا حلاق عليه، كقول أبي حنيفة‏.‏

2246- قال البخاريُّ‏:‏ حدَّثني عبد الله بن محمَّد بن أسماء ثنا جويرية ‏[‏عن نافع‏]‏ أنَّ عبد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله أخبراه عن عبد الله ابن عمر قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحال كفَّار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديه وحلق رأسه‏.‏

أخرجاه‏.‏

مسألة ‏(‏451‏)‏‏:‏ يجوز للمتمتع والقارن أن يقدِّما الحلاق على الذَّبح والرَّمي، ولا دم عليهما في ذلك‏.‏

وعنه‏:‏ إن تعمَّدا ذلك فعليهما دمٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ عليهما دمٌ بكلِّ حالٍ‏.‏

2247- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن جعفر أنا معمر ثنا ابن شهاب عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال‏:‏ رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقفًا على راحلته بمنى، فأتاه رجلٌ، فقال‏:‏ يا رسول الله، إنِّي كنت أرى أنَّ الحلق قبل الذَّبح، فحلقت قبل أن أذبح‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏اذبح ولا حرج‏"‏‏.‏

ثُمَّ جاءه آخر، فقال‏:‏ يا رسول الله، إنِّي كنت أرى أنَّ الذَّبح قبل الرَّمي، فذبحت قبل أن أرمي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ارم ولا حرج‏"‏‏.‏

قال‏:‏ فما سُئل عن شيءٍ قدَّمه رجلٌ قبل شيء إلا قال‏:‏ ‏"‏افعل ولا حرج‏"‏‏.‏

2248- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا يحيى بن إسحاق ثنا وهيب أنا ‏[‏ابن‏]‏ طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئل عن الذَّبح والرَّمي والحلق، والتَّقديم والتَّأخير، فقال‏:‏ ‏"‏لا حرج‏"‏‏.‏

الحديثان في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏452‏)‏‏:‏ يجب الهدي في حقِّ المحصر‏.‏

وقال مالكٌ‏:‏ لا يجب‏.‏

لنا‏:‏ حديث جابر‏.‏

2249- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن مخلد ثنا محمَّد بن حسَّان ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي ثنا سفيان الثَّوريُّ عن أبي الزُّبير عن جابر قال‏:‏ نحرنا يوم الحديبية سبعين بدنة، البدنة عن سبعة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ليشترك النَّفر في الهدي‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ صحيحٌ، وإن كان غير مخرَّج في شيءٍ من ‏"‏ الكتب السِّتَّة‏"‏‏.‏

ومحمَّد بن حسَّان‏:‏ هو الأزرق، وقد وثَّقوه، وقال المؤلِّف في مسألة الوتر في حديث أبي أيُّوب‏:‏ ‏(‏فيه محمَّد بن حسَّان- يعني هذا- وقد ضعفوه‏)‏ وهذا خطأٌ، بل لا نعلم أحدًا ضعَّفه، بل وثَّقه ابن أبي حاتم وابن حِبَّان والدَّارَقُطْنِيُّ وغيرهم، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏453‏)‏‏:‏ ويذبح الهدي حيث أحصر‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يذبحه إلا في الحرم‏.‏

لنا‏:‏ ما تقدَّم من الحديث، وأنَّهم نحروا بالحديبية، وهي حِلٌّ‏.‏

مسألة ‏(‏454‏)‏‏:‏ إذا أحصر في حجِّ التَّطوُّع لم يلزمه القضاء‏.‏

وعنه‏:‏ عليه القضاء، كقول أبي حنيفة‏.‏

لنا‏:‏

2250- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحرم بالعمرة سنة ستٍّ، ومعه ألف وأربع مائة‏.‏

كذلك في ‏"‏ الصَّحيحين ‏"‏ من حديث جابر، ثُمَّ عاد في السَّنة الأخرى ومعه جمعٌ يسير، فلو وجب عليهم القضاء بيَّنه لهم‏.‏

مسألة ‏(‏455‏)‏‏:‏ إذا شرط أنَّه متى مرض تحلَّل، أو إن حصره عدو، أو إن أخطأ العدد كان شرطًا صحيحًا، يستفيد به التَّحلُّل، ولا دم عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ وجود هذا الشَّرط كعدمه، فعند أبي حنيفة‏:‏ لا يتحلَّل إلا بالهدي، وعند مالك‏:‏ لا يتحلَّل إلا إذا أخطأ العدد‏.‏

لنا‏:‏ 2251- ما روى مسلم بن الحجَّاج قال‏:‏ حدَّثنا عبد بن حميد أنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن الزُّهريِّ عن عروة عن عائشة قالت‏:‏ دخل النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ضُباعة بنت الزُّبير، فقالت‏:‏ يا رسول الله، إنِّي أريد الحجَّ، وأنا شاكيةٌ‏؟‏ فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏حُجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث معمر هذا‏:‏ رواه مسلم والنَّسائيُّ فقط‏.‏

وقال النَّسائيُّ‏:‏ لا أعلم أحدًا أسنده عن الزُّهريِّ غير معمر‏.‏

وقال في موضعٍ آخر‏:‏ لم يسنده عن معمر غير عبد الرَّزَّاق فيما أعلم‏.‏

ورواه البخاريُّ من وجهٍ آخر O‏.‏

2252- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يزيد بن هارون أنا سفيان بن حسين عن أبي بشر عن عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّ ضُباعة بنت الزُّبير أرادت الحجَّ، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏اشترطي عند إحرامك‏:‏ ومحلِّي حيث حبستني، فإن ذلك لك‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه غير واحدٍ عن عكرمة، ورواه غير عكرمة ‏[‏عن‏]‏ ابن عبَّاس O‏.‏

مسألة ‏(‏456‏)‏‏:‏ المحصر بالمرض لا يباح له التَّحلُّل، إلا أن يكون قد اشترط في ابتداء إحرامه أنَّه إن مرض تحلَّل‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ حكم الإحصار بالمرض حكم الإحصار بالعدو‏.‏

لنا‏:‏ حديث ضباعة المتقدِّم، ولو كان المرض يبيحُها التَّحلُّل ما كان لاشتراطها معنى‏.‏

احتجُّوا‏:‏ بحديث الحجَّاج بن عمرو عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏من كسر أو عرج فقد حلَّ‏"‏‏.‏

وقد سبق بإسناده في وجوب الحجِّ على الفور، وقد حمله أصحابنا على ما إذا شرط بدليلنا‏.‏

مسألة ‏(‏457‏)‏‏:‏ لا يجوز للمرأة أن تَحجَّ من غير محرمٍ‏.‏

وقال مالك والشَّافعيُّ‏:‏ يجوز إذا كان معها نساء ثقات‏.‏

2253- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن عبيد الله قال‏:‏ حدَّثني نافع عن ابن عمر عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم‏"‏‏.‏

2254- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال‏:‏ عبد الملك بن عمير أنبأني قال‏:‏ سمعت قزعة مولى زياد قال‏:‏ سمعت أبا سعيد الخدريَّ قال‏:‏ سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏لا تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم‏"‏‏.‏

2255- وقال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثني زهير ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يومٍ إلا مع ذي محرم‏"‏‏.‏

هذه الأحاديث الثلاثة مخرَّجة في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏458‏)‏‏:‏ ولا فرق بين قليل السَّفر وطويله‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يعتبر المحرم إلا في السَّفر الطَّويل الَّذي يبيح التَّرخُّص، وعن أحمد نحوه‏.‏

لنا‏:‏ ما تقدَّم من الحديث

مسائل الفوات

مسألة ‏(‏459‏)‏‏:‏ إذا فاته الحجُّ انقلب إحرامُه إحرامَ عمرة‏.‏

وعنه‏:‏ أنَّ احرامه بحاله، ويتحلَّل منه بفعل عمرته، وبه قال أكثرهم‏.‏

2256- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن ‏[‏الحسن‏]‏ اليقطينيُّ ثنا محمَّد بن الحسن بن قتيبة ثنا محمَّد بن عمرو الغزيُّ ثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من فاته عرفات فقد فاته الحجُّ، فليحلَّ بعمرةٍ، وعليه الحجُّ من قابلٍ‏"‏‏.‏

2257- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا إبراهيم بن حمَّاد بن إسحاق ثنا أبو عون محمَّد بن عمرو بن عون ثنا داود بن جبير ثنا رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏من فات عرفات بليلٍ فقد فاته الحجُّ، فليحلل بعمرة، وعليه الحجُّ من قابل‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ الحديثان ضعيفان‏:‏ أمَّا الأوَّل‏:‏ ففيه يحيى بن عيسى، وأمَّا الثَّاني‏:‏ فتفرَّد به رحمة، قال يحيى بن معين‏:‏ يحيى بن عيسى ورحمة ليسا بشيءٍ‏.‏

ز‏:‏ هذان الحديثان غير مخرَّجين في شيءٍ من ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

ويحيى بن عيسى الرَّمليُّ‏:‏ روى له مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه‏"‏‏.‏

وداود بن جبير‏:‏ غير مشهور‏.‏

وابن أبي ليلى‏:‏ سيءُ الحفظ‏.‏

والأشبه في هذين الحديثين الوقف، والله أعلم O‏.‏

2258- وقال سعيد بن منصور‏:‏ حدَّثنا هُشيم أنا مغيرة عن ابراهيم عن الأسود بن يزيد أنَّ رجلاً فاته الحجُّ، فأمره عمر بن الخطَّاب أن يحلَّ ‏[‏بعمرة‏]‏ وعليه الحجُّ من قابل‏.‏

مسائل الهدي

مسألة ‏(‏460‏)‏‏:‏ إشعار البُدْن وتقليدها سنَّة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يكره الإشعار‏.‏

2259- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هُشيم ثنا أصحابنا- منهم شعبة- عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشعر بدنته من الجانب الأيمن، ثُمَّ سَلَت الدَّم عنها، وقلَّدها بنعلين‏.‏

2260- وقال التِّزمذيُّ‏:‏ حدَّثنا أبو كريب ثنا وكيع عن هشام الدَّستوائيِّ عن قتادة عن أبي حسَّان عن ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلَّد نعلين، وأشعر الهديَّ في الشِّق الأيمن، بذي الحُليفة، وأماط عنه الدَّم‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

قال‏:‏ وسمعت أبا السَّائب يقول‏:‏ كنَّا عند وكيع، فقال لرجلٍ ممَّن ينظر في الرَّأي‏:‏ أشْعَرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقول أبو حنيفة‏:‏ هو مُثْلَةٌ‏!‏ قال الرَّجل‏:‏ قد رُوي عن إبراهيم النَّخعيِّ أنَّه قال‏:‏ الإشعار مُثْلَةٌ‏.‏

فرأيت وكيعًا غضب غضبًا شديدًا، ثُمَّ قال‏:‏ أقول لك‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول‏:‏ قال إبراهيم‏!‏ ما أحقَّك بأن تحبس، ثمَّ لا تخرج حتَّى تنزع عن قولك هذا‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أيضًا‏:‏ مسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجة من حديث قتادة‏.‏

وأبو حسَّان هو‏:‏ مسلم بن عبد الله الأعرج الأَحْرَد ‏[‏البصريُّ‏]‏ والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏461‏)‏‏:‏ وصفة الإشعار‏:‏ شقُّ صفحة سنامها الأيمن‏.‏

وعنه‏:‏ الأيسر، كقول أبي يوسف ومحمَّد‏.‏

لنا‏:‏ الحديث المتقدِّم‏.‏

مسألة ‏(‏462‏)‏‏:‏ يسنُّ تقليد الغنم

وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ لا يسنُّ‏.‏

2261- قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا بندار ثنا عبد الرَّحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت‏:‏ كنت أفتل قلائد هدي النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلَّها غنمًا‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه البخاريُّ ومسلمٌ والنَّسائيُّ من حديث غير واحدٍ عن منصور بن المعتمر، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏463‏)‏‏:‏ يجوز النَّحر في جميع الحرم‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا ينحر الحاج إلا بمنى، والمعتمر إلا بمكَّة‏.‏

2262- قال ابن ماجة‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن محمَّد وعمرو بن عبد الله قالا‏:‏ ثنا وكيع ثنا أسامة بن زيدٍ عن عطاء عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏منى كلُّها منحرٌ، وكلُّ فجاج مكَّة طريقٌ ومنحرٌ، وكلُّ عرفة موقفٌ، وكلُّ المزدلفة موقفٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا إسنادٌ حسنٌ، وقد رواه الإمام أحمد عن عثمان بن عمر عن أسامة، وهو ابن زيدٍ الليثيُّ، وقد روى له مسلمٌ متابعةً- فيما أرى-، ووثَّقه ابن معين في رواية‏.‏

2263- وفي ‏"‏ صحيح مسلم ‏"‏ من حديث جابر‏:‏ ‏"‏منى كلُّها منحر، فانحروا في رحالكم‏"‏‏.‏

والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏464‏)‏‏:‏ لا يؤكل من الدِّماء الواجبة، إلا من هدي التَّمتُّع والقران‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ لا يأكل من شيءٍ منها‏.‏

لنا‏:‏ 2264- ما روى عبد الرحمن بن أبي حاتم في ‏"‏ سننه ‏"‏ من حديث عليٍّ عليه السَّلام، قال‏:‏ أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدي التَّمتُّع، أن أتصدَّق بلحومها سوى ما نأكل‏.‏

احتجُّوا‏:‏

2265- بما رواه الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا وكيع وأبو معاوية قالا‏:‏ ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعيِّ- وكان صاحب بُدْنِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، كيف أصنع بما عَطَبَ من البُدْن‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏انحره، واغمس نعله في دمه، واضرب صفحته، وخلِّ بين النَّاس وبينه، فليأكلوه‏"‏‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ روى هذا الحديث أصحاب ‏"‏ السُّنن الأربعة ‏"‏ من حديث هشام‏.‏

وناجية‏:‏ هو ابن جُنْدُب الأسلميُّ O‏.‏

2266- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا إسماعيل ثنا أبو التَّيَّاح عن موسى بن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بثماني عشرة بدنة مع رجلٍ، وأمره فيها بأمره، فانطلق، ثُمَّ رجع إليه فقال‏:‏ أرأيت إن أزحف علينا منها شيءٌ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏انحرها، ثُمَّ اصبغ نعلها في دمها، ثُمَّ اجعلها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحدٌ من أهل رفقتك‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

2267- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا معمر عن قتادة عن سنان ابن سلمة عن ابن عبَّاس أنَّّ ذؤيب بن طلحة أخبره أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث معه ببدنتين، وأمره إن عرض لهما شيءٌ أو عطبتا أن ينحرهما، ثُمَّ يغمس نعالهما في دمائهما، ثُمَّ يضرب بنعل كلِّ واحدةٍ صفحتها، ويخليها والنَّاس، ولا يأكل منها هو ولا أحدٌ من أصحابه‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

والجواب‏:‏ أنَّا نحمله على غير مسألتنا بدليلنا‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رواه مسلمٌ وابن ماجة بنحوه من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة‏.‏

وقال عبَّاس الدُّوريُّ عن يحيى بن معين‏:‏ لم يسمع قتادة من سنان بن سلمة، أحاديثه عنه مرسلةٌ، وسمع من موسى بن سلمة‏.‏

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين‏:‏ لم يدرك قتادة سنان بن سلمة، ولا سمع منه‏.‏

والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏465‏)‏‏:‏ إذا نذر بدنة وأطلق، فهو مخيَّرٌ بين الجزور والبقرة‏.‏

وعنه‏:‏ لا ينتقل إلى البقرة إلا عند عدم الجزور، كقول الشَّافعيِّ‏.‏

لنا‏:‏ حديث جابر المتقدِّم‏:‏ كنَّا ننحر البدنة عن سبعة‏.‏

قيل له‏:‏ والبقرة‏؟‏ قال‏:‏ وهل هي إلا من البُدن‏.‏

وقد سبق في حديث جابر‏:‏ أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏ليشترك النُّفر في الهدي‏"‏‏.‏

ز‏:‏ حديث جابر الأوَّل‏:‏ لم يتقدَّم، وقد روى مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ معنا‏.‏

وحديثه الثَّاني‏:‏ لا حجَّة فيه للمسألة المذكورة، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏466‏)‏‏:‏ يجوز أن يشترك سبعة في بدنة وبقرة على الإطلاق‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان بعضهم يريد اللحم، وبعضهم يريد القربة، لم يصحَّ الاشتراك‏.‏

وقال مالك‏:‏ لا يصحُّ الاشتراك في الهدي الواجب‏.‏

لنا‏:‏ حديث جابر المتقدِّم‏.‏

2268- وقال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال‏:‏ قدمنا مكَّة، فقال لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من لم يكن معه هديٌ فليحلل، وأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منَّا في بدنةٍ‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

2269- وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي الزُّبير عن جابر قال‏:‏ نحرنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الحديبية البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة‏.‏

قال التِّرمذيُّ‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ز‏:‏ رواه مسلمٌ عن قتيبة ويحيى بن يحيى، كلاهما عن مالكٍ به‏.‏

ورواه أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجة أيضًا من حديث مالك، والله أعلم O‏.‏

2270- قال التِّرمذيُّ‏:‏ وحدَّثنا الحسين بن حُريث ثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عِلْبَاءَ بن أحمرَ عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ كنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفرٍ، فحضر الأضْحَى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزورة عشرة‏.‏

ز‏:‏ رواه الإمام أحمد عن الحسن بن يحيى عن الفضل به، ورواه أبو حاتم البُستيُّ عن محمَّد بن أحمد بن أبي عون عن الحسين بن حُريث، ورواه النَّسائيُّ وابن ماجة من حديث الفضل‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ O‏.‏

مسائل الأضاحي

مسألة ‏(‏467‏)‏‏:‏ الأضحية سنَّةٌ‏.‏

وعنه‏:‏ واجبة، كقول أبي حنيفة‏.‏

2271- قال مسلم بن الحجَّاج‏:‏ حدَّثني حجَّاج بن الشَّاعر قال‏:‏ حدَّثني يحيى بن كثير العنبريُّ ثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا رأيتم هلال ذي الحجَّة، وأراد أحدكم أن يضحِّي، فليمسك عن شعره وأظفاره‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه مسلمٌ‏.‏

فوجه الحجَّة‏:‏ أنَّه علَّقه بالإرادة‏.‏

2272- وقد استدل أصحابنا بحديث ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏ثلاثٌ هنَّ عَلَيَّ فريضةٌ، ولكم تطوُّع‏:‏

منها النَّحر‏"‏‏.‏

وقد ذكرناه في مسائل الوتر، وقلنا‏:‏ يرويه أبو جَنَاب، وهو متروكٌ‏.‏

2273- وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا أبو العبَّاس عبد الله بن عبد الرَّحمن العسكريُّ ثنا الحنينيُّ ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏كُتب عَلَيَّ النَّحر، ولم يكتب عليكم‏"‏‏.‏

2274- قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا أحمد بن محمَّد بن سعدان ثنا شعيب بن أيُّوب ثنا عثمان بن عبد الرَّحمن الحرَّانيُّ ثنا يحيى بن أبي أُنيسة عن جابر عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏أُمرت بالنَّحر، وليس بواجبٍ‏"‏‏.‏

قال المصنِّف‏:‏ جابر في الحديثين هو‏:‏ الجُعفيُّ، وهو ضعيفٌ‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في ‏"‏ السُّنن‏"‏‏.‏

ويحيى بن أبي أُنيسة متروك الحديث، لكنَّه لم يتفرَّد بهذا الحديث عن جابر، فقد رواه عن حمَّاد جماعةٌ غيره، وقد روي من غير طريق جابر عن عكرمة، وهو حديثٌ ضعيفٌ على كلِّ حالٍ O‏.‏

احتجُّوا بخمسة أحاديث‏:‏ 2275- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا أبو عبد الرَّحمن ثنا عبد الله بن عيَّاش عن عبد الرَّحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من وجد سعة فلم يضحِّ، فلا يقربنَّ مصلانا‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث رجاله كلُّهم مخرَّج لهم في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏، إلا عبد الله ابن عيَّاش بن عبَّاس القِتْبانيُّ فإنَّه من أفراد مسلم‏.‏

وقد رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحبُاب عن عبد الله بن عيَّاش، وكذلك رواه حَيْوة بن شُريح وغيره عن عبد الله بن عيَّاش‏.‏

ورواه ابن وهبٍ عن عبد الله بن عيَّاش عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وكذلك رواه جعفر بن ربيعة و ‏[‏عبيد الله‏]‏ بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبه بالصَّواب O‏.‏

2276- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا معاوية ‏[‏بن‏]‏ عمرو ثنا زائدة ثنا أبو جَناب الكلبيُّ قال‏:‏ حدَّثني يزيد بن البراء بن عازب عن البراء قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إنَّما الذَّبح بعد الصَّلاة‏"‏‏.‏

فقام أبو بردة بن نيار فقال‏:‏ عجَّلت ذبح شاتي، وعند ‏[‏ي‏]‏ جذعة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏لن تفي عن أحدٍ بعدك‏"‏‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏"‏لن تَجْزي‏"‏‏.‏

وهذا إنَّما يستعمل في الواجب‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث غير مخرَّج في ‏"‏ السُّنن ‏"‏، وإسناده غير قويٍّ، ولا دليل فيه على الوجوب، والله أعلم O‏.‏

2277- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن أبي عَدِيٍّ عن ابن عون عن ابن أبي رملة قال‏:‏ ثناه مِخْنَفُ بنُ سُلَيم قال‏:‏ بينا نحن مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقفٌ بعرفات، فقال‏:‏ ‏"‏يا أيُّها النَّاس، إنَّ على كلِّ أهل بيتٍ فى كلِّ عام أضحية وعتيرة، تدرون ما العتيرة‏؟‏ هذه التي يقول النَّاس‏:‏ الرَّجبيَّة‏"‏‏.‏

ز‏:‏ كذا فيه‏:‏ ‏(‏عن ابن أبي رملة‏)‏ وهو غلطٌ، والصَّواب‏:‏ ‏(‏عن أبي رملة‏)‏، واسمه‏:‏ عامر، وفيه جهالة، لأنَّه لم يرو عنه غير ابن عون‏.‏

وقد روى أصحاب ‏"‏ السُّنن الأربعة ‏"‏ هذا الحديث من رواية ابن عون عنه، وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه، من حديث ابن عون O‏.‏

2278- الحديث الرَّابع‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن يوسف الخلال ثنا الهيثم بن سهل ثنا المسيَّب بن شَريك ثنا عُبيد المُكْتِب عن عامر عن مسروق عن عليٍّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏نسخَ الأضحى كلُّ ذبحٍ، وصومُ رمضان كلّ صومٍ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لا يثبت‏.‏

والمسيَّب بن شَريك‏:‏ اجتمعوا على ترك حديثه‏.‏

قاله الفلاس‏.‏

وقد روى هذا الحديث عنه أيضًا عليُّ بن سعيد بن مسروق الكنديُّ‏.‏

2279- وقال ابن عَدِيٍّ‏:‏ أنا الحسن بن سفيان ثنا المسيَّب بن واضح ثنا المسيَّب بن شَريك عن عُتبة بن اليقظان عن الشَّعبيِّ عن مسروق عن عليٍّ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏نسخت الزَّكاةُ كلِّ صدقة في القرآن، ونسخَ غسلُ الجنابة كلَّ غسلٍ، ونسخ صومُ رمضان كلُّ صومٍ، ونسخ الأضحى كلَّ ذبحٍ‏"‏‏.‏

كذا رواه ابنُ عَدِيٍّ، والله أعلم O‏.‏

2280- الحديث الخامس‏:‏ قال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ وحدَّثنا ابن مبشِّر ثنا أحمد بن سنان القطَّان ثنا يعقوب بن محمَّد الزُّهريُّ ثنا رفاعة بن هُرَير ثنا أبي عن عائشة قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، أستدين وأضحِّي‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏نعم، فإنَّه دَيْنٌ مقضيٌّ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث والَّذي قبله غير مخرَّجين في شيءٍ من ‏"‏ السُّنن‏"‏، وسيأتي كلام المؤلِّف عليهما، والله أعلم O‏.‏

والجواب‏:‏ أمَّا الحديث الأوَّل‏:‏ فقال أحمد‏:‏ هو حديثٌ منكرٌ‏.‏

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ قد روي موقوفًا، والموقوف أصحُّ‏.‏

ثُمَّ إنه لا يدلُّ على الوجوب، كما قال‏:‏ ‏"‏من أكل الثُّوم فلا يقربنَّ مُصلانا‏"‏‏.‏

وأمَّا الحديث الثَّاني‏:‏ فأبو جَناب متروكٌ‏.‏

ثُمَّ لو صحَّ الحديث، فالمراد أنَّها تفي وتجزي في إقامة السُّنَّة، يدلُّ عليه‏:‏ 2281- ما روى الإمام أحمد، قال‏:‏ حدَّثنا عفَّان ثنا شعبة قال‏:‏ زبيد أخبرني و منصور وداود وابن عون عن الشَّعبيِّ عن البراء قال‏:‏ خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال‏:‏ ‏"‏إنَّ أوَّل ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثُمَّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ‏"‏‏.‏

فقال أبو بُردة‏:‏ يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خيرٌ من مسنَّة‏.‏

قال‏:‏ ‏"‏اجعلها مكانها، ولن تَجْزِي- أو توفِّي- عن أحدٍ بعدك‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

وأمَّا الحديث الثَّالث‏:‏ فإنَّ ابن أبي رملة اسمه‏:‏ عامر، وهو مجهولٌ‏.‏

ثُمَّ إنَّ الحديث متروكٌ، إذ لا تسنُّ عتيرة أصلاً؛ ولو قلنا‏:‏ بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد، لا على جميع أهل البيت‏.‏

وأمَّا الرَّابع‏:‏ فإنَّ الهيثم بن سهل ضعيفٌ، والمسيَّب بن شَريك متروكٌ‏.‏

وأمَّا الخامس‏:‏ فقال الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ هو إسنادٌ ضعيفٌ، وهُرير هو‏:‏ ابن عبد الرَّحمن بن رافع بن خَدِيج، ولم يسمع من عائشة ولم يدركها‏.‏

ز‏:‏ في كلام المؤلِّف نظرٌ من وجوه عِدَّة، قد نُبِّه على بعضها، ويطول الكلام بالتَّنبيه على باقيها، والله أعلم O‏.‏

مسألة ‏(‏468‏)‏‏:‏ يكره لمن أراد أن يضحِّي إذا دخل العشر أن يحلق شعره، أو يقلِّم أظفاره‏.‏

ومن أصحابنا من قال‏:‏ يحرم عليه‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يكره‏.‏

دليلنا‏:‏ حديث أمِّ سلمة المتقدِّم‏.‏

مسألة ‏(‏469‏)‏‏:‏ الأفضل في الأضاحي الإبل، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الغنم‏.‏

وقال مالك‏:‏ الغنم، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الإبل‏.‏

2282- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يزيد ثنا ابن أبي ذئب عن الزُّهريِّ عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأوَّل فالأوَّل، فمثلُ المهجِّر إلى الجمعة كمثل الَّذي يهدي بدنة، ثُمَّ كالَّذي يهدي بقرة، ثُمَّ كالَّذي يهدي كبشًا، ثُمَّ كالَّذي يهدي دجاجةً، ثُمَّ كالَّذي يهدي بيضةً، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر، طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذِّكر‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلم في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏470‏)‏‏:‏ لا يجوز أن يُضحِّي بعضباء القرن والأذن‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز بعضباء القرن‏.‏

وقال مالك‏:‏ إن كان قرنها يدمي لم يجز، وإلا جاز‏:‏ فأمَّا المقطوعة الأذن فتجوز‏.‏

2283- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا يحيى عن هشام ثنا قتادة عن جُرَيِّ ابن كليب عن عليٍّ قال‏:‏ نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نضحِّي بعضباء القرن أو الأذن‏.‏

ز‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ السُّنن الأربعة ‏"‏ من حديث قتادة، ولم يذكر النَّسائيُّ ‏(‏الأذن‏)‏‏.‏

وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقال أبو داود‏:‏ جُرَيٌّ لم يحدِّث عنه إلا قتادة‏.‏

وقال ابنُ المدينيِّ‏:‏ مجهولٌ، لا أعلم روى عنه غير قتادة‏.‏

وقال أبو حاتم‏:‏ شيخٌ، لا يحتجُّ بحديثه O‏.‏

مسألة ‏(‏471‏)‏‏:‏ لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام، ويجوز بعدها وإن لم يكن الإمام قد ذبح‏.‏

وقال أبو حنيفة في أهل الأمصار كقولنا، وفي أهل القرى يجوز أن يذبحوا بعد طلوع الفجر من يوم النَّحر‏.‏

وقال مالك‏:‏ وقت الذَّبح إذا صلَّى الإمام وذبح‏.‏

وقال الشَّافعيُّ‏:‏ وقت الذَّبح أن يمضي بعد دخول وقت الصَّلاة زمانٌ يمكن فيه صلاة ركعتين وخطبتين‏.‏

لنا حديثان‏:‏ أحدهما‏:‏ حديث البراء‏:‏ ‏"‏إنَّ أوَّل ما نبدأ به أن نصلِّي، ثُم ننحر، فمن ذبح قبل ذلك، فإنَّما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيءٍ‏"‏‏.‏

وقد سبق بإسناده‏.‏

2284- الحديث الثَّاني‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا ‏[‏عَبيْدة‏]‏ بن حُميد قال‏:‏ حدَّثني الأسود بن قيس عن جُندب بن سفيان البَجلي أنَّه صلَّى مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أضحى، قال‏:‏ فانصرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى، فعرف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها ذبحت قبل أن يصلِّي، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏من كان ذبح قبل أن نصلِّي، فليذبح مكانها أخرى، ومن لم يكن ذبح حتَّى صلَّينا، فليذبح باسم الله‏"‏‏.‏

أخرجاه في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

ز‏:‏ احتجَّ مالكٌ‏:‏ 2285- بما روى مسلمٌ في ‏"‏ صحيحه ‏"‏ قال‏:‏ حدَّثني محمَّد بن حاتم ثنا محمَّد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله يقول‏:‏ صلَّى بنا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم النَّحر بالمدينة، فتقدَّم رجالٌ فنحروا، وظنُّوا أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نحر، فأمر النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان نحر قبله أن يعيد بنحرٍ آخر، ولا ينحروا حتَّى ينحر النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ O‏.‏

مسألة ‏(‏472‏)‏‏:‏ لا يجوز بيع جلود الأضاحي‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يجوز‏.‏

2286- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا معاذ أنا زهير بن معاوية عن عبد الكريم الجزريِّ عن مجاهد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن عليٍّ قال‏:‏ أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقوم على بُدْنِه، وأن أتصدَّق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزَّار منها شيئًا، وقال‏:‏ ‏"‏نحن نعطيه من عندنا‏"‏‏.‏

أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في ‏"‏ الصَّحيحين‏"‏‏.‏

مسألة ‏(‏473‏)‏‏:‏ العقيقة مستحبةٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تستحبُّ‏.‏

وقال داود‏:‏ واجبةٌ، ونقلها أبو بكر عبد العزيز عن أحمد‏.‏

لنا أربعة أحاديث‏:‏ 2287- الحديث الأوَّل‏:‏ قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا عبد الرَّزَّاق ثنا داود ابن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال‏:‏ سُئل رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن العقيقة، فقال‏:‏ ‏"‏من أحبَّ منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ رواه أبو داود والنَّسائيُّ من رواية داود- وهو ثقةٌ- عن عمرو، وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏أُراه عن جدِّه‏)‏ O‏.‏

2288- الحديث الثَّاني‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا زيد بن الحُباب قال‏:‏ حدَّثني حسين بن واقد قال‏:‏ حدَّثني عبد الله بن بُريدة قال سمعتُ أبي يقول‏:‏ عقَّ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الحسن والحسين عليهما السَّلام‏.‏

ز‏:‏ رواه الإمام أحمد أيضًا عن عبد الله بن نُمير عن حسين، ورواه النَّسائيُّ عن حسين بن حُريث عن الفضل بن موسى عن حسين O‏.‏

2289- الحديث الثَّالث‏:‏ قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا عفَّان ثنا همَّام ثنا قتادة عن ابن سيرين عن سلمان بن عامر الضَّبيِّ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه الدَّم، وأميطوا عنه الأذى‏"‏‏.‏

انفرد بإخراجه البخاريُّ‏.‏

ز‏:‏ رواه البخاريُّعن أبي النُّعمان عن حمَّاد بن زيدٍ، وقال أصبغ‏:‏ عن ابن وهب عن جرير بن حازم، كلاهما عن أيُّوب‏.‏

وقال حجَّاج- يعني‏:‏ ابن منهال-‏:‏ عن حمَّاد- يعني ابن سلمة- عن أيوب وقتادة وحبيب- يعني‏:‏ ابن الشَّهيد-، ثلاثتهم عن محمَّد بن سيرين به‏.‏

ووقفه حمَّاد بن زيدٍ، ورفعه الآخران‏.‏

قال‏:‏ وقال غير واحدٍ‏:‏ عن عاصم وهشام عن حفصة عن الرَّباب عن سلمان عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال‏:‏ ورواه يزيد بن إبراهيم عن محمَّد ‏[‏عن‏]‏ سلمان قوله O‏.‏

2290- الحديث الرَّابع‏:‏ قال التِّرمذيُّ‏:‏ حدَّثنا عليُّ بن حُجْر ثنا عليُّ ابن مسهر عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة قال‏:‏ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏الغلام مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه- يوم السَّابع، ويسمَّى، ويحلق رأسه‏"‏‏.‏

ز‏:‏ إسماعيل بن مسلم هو‏:‏ المكيُّ، وهو غير محتجٍّ به، وقد روى هذا الحديث عن الحسن غيره من الثِّقات‏:‏ 2291- قال أبو يعلى الموصليُّ‏:‏ حدَّثنا محمَّد بن المثنَّى ثنا ابن أبي عديٍّ عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏كلُّ غلامٍ مرتهنٌ بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويسمَّى‏"‏‏.‏

وقد روى هذا الحديث‏:‏ الإمام أحمد وأصحاب ‏"‏ السُّنن الأربعة ‏"‏ من حديث قتادة، وقال التِّرمذيُّ‏:‏ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وقال أبو يعلى‏:‏ ‏[‏ثنا أبو موسى‏]‏ حدَّثني قُريش بن أنس عن حَبيب ابن الشَّهيد قال‏:‏ قال محمَّد بن سيرين‏:‏ ‏[‏سل‏]‏ الحسن‏:‏ ممَّن سمع حديثه في العقيقة‏؟‏ فسألته، فقال‏:‏ سمعته من سَمُرة‏.‏

رواه البخاريُّ عن عبد الله بن أبي الأسود عن قُريش، ولم يرو غير هذا‏.‏

ورواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن المثنَّى، ورواه عن محمَّد بن إسماعيل البخاريِّ عن عليِّ بن عبد الله عن قُريش‏.‏

ورواه النَّسائيُّ عن هارون بن عبد الله عن قُريش‏.‏

وقال عثمان بن سعيد الدَّارميُّ‏:‏ قلت ليحيى بن معين‏:‏ الحسن لقيَ سَمُرة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏

وقال الغُلابيُّ‏:‏ ثنا يحيى بن معين عن أبي النَّضر عن شُعبة قال‏:‏ لم يسمع الحسن من سَمُرة بن جُندب‏.‏

وقد تكلَّم بعضهم مع يحيى ابن معين في هذا، فأنكر يحيى سماعه، فاحتجَّ عليه بقول ابن سِيرين لحبيب‏:‏ سُئل الحسن‏:‏ ممَّن سمع حديث العقيقة‏؟‏ فقال‏:‏ من سَمُرة‏.‏

فلم يكن عند يحيى جوابٌ‏.‏

وقال عبد الغني بن سعيد المصريُّ‏:‏ لا يصح ‏(‏الحسن عن سَمُرة بن جُنْدب‏)‏ إلا حديثٌ واحدٌ، وهو حديث العقيقة، تفرَّد به قُريش بن أنس عن حَبيب بن الشَّهيد؛ وقد دفع قومٌ آخرون قولَ قُريش، وقالوا‏:‏ ما يصحُّ له سماعٌ‏.‏

وقال البَرْدِيجيُّ‏:‏ وقتادة عن الحسن عن سَمُرة، فليست بصحاح، لأَنَّه من كتاب، ولا يحفظ عن الحسن عن سَمُرة حديثٌ يقول فيه‏:‏ ‏(‏سمعت سَمُرة‏)‏ إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث العقيقة، ولا يثبت، رواه قريش بن أنس عن أشعث عن الحسن عن سمرة، ولم يروه غيره، وهو وهمٌ‏.‏

كذا قال، وقوله‏:‏ ‏(‏عن أشعث‏)‏ وهمٌ، والله أعلم O‏.‏

قال المؤلِف‏:‏ وللغويين في معنى ‏(‏العقيقة‏)‏ قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ أَنَّّه الشَّاة المذبوحة، سمِّيت ‏(‏عقيقة‏)‏ لأنَّها تُعقُّ مذابحها، أي‏:‏ تُشقُّ‏.‏

والثَّاني‏:‏ أنَّها اسمٌ للشَّعر الَّذي يحلق عن رأس المولود، فهو مرتهنٌ بأذاه حتَّى يحلق، فسمِّيت الشَّاة ‏(‏عقيقةً‏)‏ تجوَّزًا، لأنَّها إنَّما ذبحت بسبب حلاق الشَّعر‏.‏

مسألة ‏(‏474‏)‏‏:‏ والمستحب شاتان عن الغلام، وشاةٌ عن الجارية‏.‏

وقال مالك‏:‏ شاةٌ عن الجميع‏.‏

2292- قال الإمام أحمد‏:‏ حدَّثنا هيثم بن خارجة ثنا إسماعيل بن عيَّاش عن ثابت بن العجلان عن مجاهد عن أسماء بنت يزيد عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال‏:‏ ‏"‏العقيقة حقٌّ، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ‏"‏‏.‏

ز‏:‏ هذا الحديث لم يخرِّجه أصحاب ‏"‏ السُّنن‏"‏، وإسناده صالحٌ‏.‏

وثابت بن عجلان‏:‏ شاميٌّ، وثَّقه ابن معين، روى له البخاريُّ O‏.‏

2293- قال أحمد‏:‏ وحدَّثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أمِّ كُرْز الكعبيَّة عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال‏:‏ ‏"‏عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاةٌ‏"‏ قال أحمد بن حنبل‏:‏ مكافأتان‏:‏ أي مستويتان، أو متقاربتان‏.‏

ز‏:‏ حديث أمِّ كُرْز‏:‏ رواه أصحاب ‏"‏ السُّنن ‏"‏، وصحَّحه التِّرمذيُّ، وفيه اختلافٌ كثيرٌ على عطاء وغيره، والله أعلم O‏.‏

آخر كتاب الحجِّ، والحمد لله وحده‏.‏